فلسطين إلى أين؟ محمد السعيد ادريس هذا السؤال “المأزق" يكشف عن وجود مخاطر هائلة تتهدد مستقبل القضية الفلسطينية، بعد أن وصلت دائرة الخطر إلى موقع القلب في القضية، أي فلسطين نفسها والقوى السياسية الفلسطينية التي تحمل لواء قضيتها. في البداية كانت الدائرة الصهيونية ثم الدائرة الاستعمارية الغربية، إلى أن امتد الخطر إلى الدائرة العربية، أي أصبحت الدائرة العربية، وهي خط الدفاع الأول عن القضية الفلسطينية، مصدراً للخطر عليها عندما بدأت مسيرة التطبيع، حيث تراجعت القضية الفلسطينية لدى العديد من الأنظمة العربية. والآن امتد الخطر إلى بؤرة أو قلب القضية، عندما أصبحت قوى ومنظمات وقيادات فلسطينية أقرب إلى “إسرائيل" من قربها لقوى سياسية فلسطينية أخرى منافسة، حيث أصبح الصراع الفلسطيني الفلسطيني أهم من الصراع الفلسطيني “الإسرائيلي". تجربة الانتخابات الفلسطينية كانت كاشفة لمخططات تورطت فيها أطراف فلسطينية لها علاقة بالسلطة، كانت تهدف الى عرقلة فرصة فوز المعارضة الفلسطينية، خصوصاً حركة حماس، في هذه الانتخابات عن طريق توافقات وأدوار اتفق عليها مع “الإسرائيليين". وتجربة ما سمي “انقلاب حماس" على السلطة في يونيو/ حزيران 2007 كانت هي الأخرى كاشفة حيث تورطت قيادات في السلطة في الانقلاب على حكومة الوحدة الوطنية برئاسة إسماعيل هنية. الآن، وفي الوقت الذي تسعى فيه سوريا إلى القيام بمحاولة للمصالحة الفلسطينية تسعى أطراف فلسطينية لإفشال فرصة هذه المصالحة. الفشل ومحاولاته بدأت فور إعلان رئيس السلطة محمود عباس عزمه على تحقيق مصالحة وطنية فلسطينية، بالطبع كانت الضغوط الأمريكية و"الإسرائيلية" لها دور كبير في الحيلولة دون ذلك، لكن أطرافاً فلسطينية أخرى داخل السلطة تدخلت لإفشال المحاولة عن طريق أحداث وقيعة جديدة بين السلطة وحركة حماس، من خلال عرقلة فرصة نجاح التهدئة بين سلطات الاحتلال وحركة حماس بوساطة مصرية. لقد أخذت حماس المبادرة وطرحت أفكاراً مهمة للمصالحة، لكنها كان يجب أن تحافظ على قدر من التهدئة وضبط النفس لاحتواء كل محاولات الذين يريدون إفشال المصالحة، وكان يجب ألا تطرح هذه الأفكار باعتبارها شروطاً، بل كأفكار يجب الحوار حولها. هذه الأفكار تشمل: وحدة الضفة والقطاع، ووحدة النظام السياسي الفلسطيني في الضفة والقطاع: أي سلطة واحدة وحكومة واحدة، واحترام الخيار الديمقراطي والتزام نتائجه، وإعادة بناء الأجهزة الأمنية على أسس وطنية مهنية بعيداً عن التدخلات والمحاصصة الفصائلية، والتزام اتفاق مكة عام ،2007 واتفاق القاهرة عام ،2005 ووثيقة الوفاق الوطني للعام 2006. هذه أفكار مهمة تصلح كأساس لحوار وطني شامل، لكنها لا تصلح كشروط مسبقة للحوار، وغير ذلك سيعطي لأعداء المصالحة فرصة وأدها قبل أن تولد، وفشل المصالحة هذه المرة سيعمق الفجوة القائمة فعلاً، الأمر الذي يطرح مائة علامة استفهام تقول: فلسطين إلى أين؟ عن صحيفة الخليج الاماراتية 10/7/2008