لست علي يقين من ان العرب يتنبهون بالدرجة الكافية لما يجري في العالم من حولنا, ويلتفتون الي ما حدث ويحدث في دولة روسيا الاتحادية وعلاقاتها الدولية خاصة مع الولاياتالمتحدةالامريكية وحلفائها وهذا مع الأسف سمة عربية اذ تعود العرب علي الاستغراق في خضم الاحداث التي يخوضونها فينشغلون في جزئياتها وتفاصيلها الدقيقة الي الحد الذي لايرون معه.. ما يجري وراء هذه الاحداث فضلا عما يقع بعيدا عنها جغرافيا وان كان شديد القرب من حيث التأثير بكل المقاييس والمعاني. ومثال لذلك فانني لا أعتقد ان العرب يتنبهون الي متغيرات الموقع الروسي علي الساحة الدولية.. وبافتراض انهم يتابعونه من خلال مراكز وهيئات المعلومات والتقديرات والابحاث الرسمية وشبه الرسمية والخاصة, فانهم لم يحسنوا قراءة المتغيرات بنتائجها ولم يبحثوا الترتيبات اللازمة والخطوات الواجب تحركها. لقد بدأت روسيا وبقوة هذا ما أود التركيز عليه العودة الي مكانتها اللائقة التي كانت لها من قبل تحت اسم الاتحاد السوفيتي قبل انهياره ووصل الامر الي ان كلا من موسكووواشنطن قد تحدثت عن عودة اجواء الحرب الباردة(1945 1991) من جديد وهذا هو ما نتوقعه نحن ايضا.. مع الاختلاف في الصياغات والأساليب في ضوء المتغيرات التي شهدها العالم في العقدين: الاخير من القرن العشرين, والأول من القرن الحادي والعشرين وهي متغيرات علمية ومعلوماتية في كل المجالات خاصة التكنولوجية بما تعكسه سياسيا تفوق ما حدث خلال القرن السابق بكامله. وبغير اسهاب.. لقد حدث انهيار الاتحاد السوفيتي في بداية التسعينات.. واعادت الولاياتالمتحدة تحديث استراتيجيتها لتحكم السيطرة والهيمنة علي العالم.. علي اساس سقوط القوة المنافسة ونظامها.. وبصرف النظر عن اختياراتها للعدو البديل, فانها بدأت تتعامل مع روسيا علي انها دولة من الدرجة الثانية خاصة ان موسكو واجهت مشكلات داخلية منها ما هو يتصل بالسلطة السياسية وهيكلة النظام ومنها ما يتصل بالقوميات ومحاولات الانفصال مثل الشيشان, وغير ذلك مما يتعلق بالمجالين الاقتصادي والأمني, ولقد استكانت روسيا لترميم تصدعاتها ورضيت بالتواري( مؤقتا) عن الاحداث الساخنة في العالم وتركت الولاياتالمتحدة تصول وتجول. واستغلت واشنطن الفرصة وتمادت تحت الادارة اليمينية المثيرة للمشاكل بقيادة جورج بوش الابن.. وادي الامر بها الي ان تنشر صواريخها العابرة للقارات في عدد من الدول الاوروبية بل ونشرتها في اوكرانيا المتقدمة تكنولوجيا والتي كانت حليفة وشريكة لروسيا الامر الذي اثار القيادة الروسية فاعلن الرئيس بوتين اعتراضه الشديد بكلمات حاسمة0واضطر بوش الي ان يرسل وزيرة خارجيته كوندوليزا رايس الي موسكو لتحاول تقديم مبررات والتأكيد علي ان روسيا ليست هي هدف هذه الصواريخ.. لكنها بجرأة لا تحسد عليها عبرت عن ملاحظات امريكية علي الممارسة السلبية للديمقراطية في روسيا.. والاكثر مرارة بالنسبة لموسكو ان بوش نفسه, بعد عودة كوندوليزا اليه, لم يأمر بعودة وتحديد صواريخه ولكنه انتقد الديمقراطية في روسيا. وهنا.. بدأت روسيا ترد بقوة.. وكان ابلغ رد هو انها نشرت صواريخها في المواقع المتعددة بالأراضي الروسية الشاسعة.. مصوبة ومتجهة الي اوروبا والي مواقع محطات الصواريخ الامريكية اينما كانت. ومن المهم القول ان روسيا لم تتخذ هذه الخطوة الكبيرة والخطيرة لمجرد رد فعل لنشر الصواريخ الامريكية.. فان الدول الكبري عادة تحسن ضبط اعصابها الي ان يجيء الوقت المناسب للرد, ولقد كانت روسيا طوال الخمسة عشر عاما السابقة تعيد بناء نفسها وتتحين الفرصة لكي تتقدم الصفوف كما كانت, ولعلنا نلاحظ انها قد تحركت علي مستوي فاعل خلال العامين الماضيين, وان رئيسها بوتين سافر الي عدة دول شرقا وغربا.. كما استقبلت موسكو قادة عديدين ومن ثم فان هذا النشر للصواريخ الامريكية اعطاها الفرصة الطبيعية للانتقال من الخطي الدقيقة الي القفزات المحسوبة. ولقد ظهرت قيمة القوة الروسية والسياسة الجديدة التي بدأ بوتين يتبعها خلال تلبيته مؤخرا للدعوة التي وجهها إليه الرئيس الأمريكي واصطحبه إلي مزرعة الأسرة ليلتقي بجورج بوش الأب, وليصبح الثلاثة بوش الأب. وبوش الابن, وبوتين مع زوجاتهم في جو عائلي حميم تفنن خلاله خبراء الادارة الأمريكية في إضفاء روح الحميمية والكرم والبهجة إلي حد ان كونداليزا عندما ذهبت لمشاركتهم أقبلت علي بوتين بخطوات راقصة والابتسامة علي وجهها تعانقه وزوجته كما لو كانوا أصدقاء قدامي فاض بهم الشوق والحنين. غير ان هذا الجو الرومانسي لم يغير في عقلية بوتين السياسي المخضرم ورجل المخابرات القديم.. فاما رفع الصواريخ المنتشرة واما ان تكون المنظومة مشاركة بين الطرفين.. وهذا مالم تقبله واشنطون.. فبقي الحال علي ما هو عليه!! واكثر من هذا فإن بريطانيا الحليفي الأول للولايات المتحدة قد وقعت هي الأخري في مشكلة حادة مع روسيا من قبل عميل يعمل لحسابها الي طرد أربعة دبلوماسيين روس.. وما أدي ذلك وسيؤدي إلي تداعيات سيكون لها رد فعل واسع في أوروبا وفيما يسمي العولمة! وبهذا المتغير المهم في استراتيجية العلاقات الدولية خرجت تصريحات مسئولين روس وامريكيين تقول ان اجواء الحرب الباردة قد عادت.. وبالتالي وهذا ما ننبه له فان العالم بعدما عاش ما يقرب من عقدين محكوما بسيطرة الاحادية والقوة الاعظم فإنه الآن في بداية مرحلة جديدة يعود فيها بروز القوتين الاعظم.. وهذا ما يجعلنا ننبه وبشدة, ونناشد العرب ان ينتبهوا فيحافظوا علي علاقاتهم الامريكية ويدعمونها, وعلي علاقاتهم الاوروبية ويعمقونها, لكن مع ضرورة تطوير علاقاتهم مع دولة روسيا الاتحادية بأقصي سرعة وفي مختلف الميادين وعلي كل المستويات,, استثمارا للتاريخ الطويل لهذه العلاقات ولمصالح كل طرف, وللمصلحة المشتركة, فان هذه العلاقات تهم روسيا لدرجة كبيرة كما تهم العرب.. وعلينا ان نبدأ اليوم وليس غدا.. فان روسيا مهمة وبكل المعاني وهي تريدنا كما نريدها. عن جريدة الاهرام المصرية 22/7/2007