خيوط الحرب على الارهاب تفلت من يد واشنطن مازن حماد يعترف احدث تقرير اصدره كبار مستشاري جورج بوش في مكافحة الارهاب بأن استراتيجية محاربة القاعدة في باكستان قد فشلت ، وجاء في التقرير الذي صدر على شكل ملخص من صفحتين يُجمل ويؤيد سلسلة تقييمات نشرت او تسربت الى الصحافة في الاسابيع الاخيرة ، ان الولاياتالمتحدة ستواجه تهديداً ارهابياً ملحاً ومتطوراً خلال السنوات الثلاث القادمة ، حيث تخطط القاعدة لهجمات يمكن مقارنتها بتلك التي وقعت في 11 ايلول عام 2001 وأدت الى الحروب المكلفة والمرعبة التي يعيشها العالم الآن. ويأتي نشر التقرير الجديد الذي اصدرته يوم الثلاثاء الوكالات الاستخبارية الست عشرة العاملة في الولاياتالمتحدة ، في وقت بدأ فيه اعضاء مجلس الشيوخ جدلا ماراثونياً حول تشريع يطالب بانسحاب مبكر للقوات الاميركية من العراق ، وسط تحذيرات من السناتور جون ماكين المؤيد لبوش من ان الانسحاب المتسرع سيؤدي الى حمام دم وسينظر اليه المتطرفون على انه نصر لهم على الولاياتالمتحدة. ورغم الانشقاقات الجديدة في الحزب الجمهوري واصطفاف المزيد من الجمهوريين الى جانب الديمقراطيين الذين يريدون سحب معظم القوات الاميركية من العراق بحلول شهر ابريل عام 2008 ، فان هناك اخفاقاً ديمقراطياً في جمع اصوات (60) سناتوراً من بين (100) يتشكل منهم المجلس ، لاقرار مشروع الانسحاب. ويناشد بوش الكونغرس الانتظار حتى (15) سبتمبر المقبل موعد تقرير سيقدمه له سفيره في بغداد ريان كروكر وقائد قواته الجنرال بتراوس لتقييم التقدم في استراتيجية زيادة القوات التي تم بمقتضاها نشر (30) الف جندي اضافي في بغداد قبل البحث في تغيير الاتجاه. وفي الوقت ذاته لم تخف الولاياتالمتحدة رغبتها في اجراء لقاء مباشر آخر مع الايرانيين لبحث الوضع الامني في العراق رغم اتهاماتها المتواصلة لطهران بتسليح المليشيات الطائفية. ومع ان الناطق بلسان الخارجية الاميركية شون ماكورماك انتقد «تصرفات ايران التي تؤجج عدم الاستقرار في العراق» ، فقد اعلن وزير الخارجية الايراني منوشهر متكي ان بلاده لا تمانع في خوض الجولة الجديدة من المحادثات المباشرة اذا طلبت واشنطن ذلك. وكان البلدان قد جلسا وجهاً لوجه في 28 ايار في بغداد ، وذلك لأول مرة منذ قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين عام 1980 ، لبحث الوضع الامني في العراق. ويبدو لمن يراقب المسلك الاميركي خلال الشهور الاخيرة ان خيوط الحرب على القاعدة تفلت من يد واشنطن ، سواء في العراق او باكستان او افغانستان. وكما قال التقييم الملخص يوم الثلاثاء ، فان الولاياتالمتحدة تخسر القتال ضد القاعدة في عدة جبهات وان هذا التنظيم قوي بصورة ملحوظة في العامين الاخيرين. وعلى الرغم من توجيه مستشاري بوش الامنيين اللوم الى الاتفاق الذي كان الجنرال برويز مشرف قد ابرمه مع زعماء القبائل المؤيدة لطالبان والقاعدة في اقليم وزير ستان الشمالي المحاذي لافغانستان ، فقد أقروا بأن مشرف ما زال يشكل افضل رهان. وقد لجأ زعماء القبائل الذين اغاظهم اقتحام القوات الباكستانية للمسجد الاحمر في اسلام أباد الاسبوع الماضي الى الغاء الاتفاق - الهدنة - الموقع في سبتمبر الماضي والقاضي بانسحاب القوات الرسمية من جبال وزير ستان مقابل اشراف زعماء القبائل على الاستقرار والامن. غير ان تفجر الاوضاع في باكستان بعد اقتحام ذلك المسجد الذي يعتبر معقلاً تاريخياً للمتشددين الاسلاميين ومصرع المئات في تلك العملية ، وما نتج عنه من الغاء الهدنة غير المباشرة مع طالبان والقاعدة ، دفع مشرف الى ارسال عشرات الالاف من الجنود الى الجبال في مسعى جديد وصعب لاجتثاث المسلحين المرتبطين بطالبان والقاعدة ، وهو مسعى أيدته واشنطن التي علقت بالقول ان هذه الحقيقة تؤكد ان استراتيجية السلام مع الارهابيين فشلت بالنسبة لباكستان وبالنسبة للولايات المتحدة وانه ليس هناك من خيار سوى محاربة الارهاب بلا هوادة. ومما يعتقد به مسؤولو المخابرات الاميركيون ان هدنة مشرف مع الارهابيين جعلت القاعدة اقوى في المناطق الجبلية ، بحيث اصبحت في وضع افضل لشن هجوم كبير داخل الولاياتالمتحدة. وهذه النتيجة تتطلب جهدا كبيرا لتفسير اسباب التركيز الاميركي على محاربة القاعدة في العراق ، رغم ان التهديد الرئيسي للولايات المتحدة يتركز في جبال وزيرستان. ومن النقاط اللافتة الواردة في التقرير الجديد ان حزب الله اللبناني قد يلجأ الى شن هجمات ضد الولاياتالمتحدة اذا شعر انه او حليفته ايران مهددان بضربات اميركية ، غير ان الخطر الاكبر يأتي من تنظيم القاعدة المدفوع برغبة ونية لا تتوقف لتوجيه ضربة جديدة داخل الاراضي الاميركية. وهكذا ، وبعد مضي ست سنوات وانفاق مئات المليارات من الدولارات وسقوط مئات الالاف من القتلى لم تصبح الولاياتالمتحدة اكثر امنا. وما تضمنه التقرير الاخير وبقية التقارير التي سبقته يتعارض كليا مع تأكيدات بوش ومساعديه على مر الشهور والسنين بأن ثلثي قادة القاعدة قد قتلوا او اعتقلوا وان غزو العراق سيقلل خطر الارهاب. فما حدث هو انه بعد سنوات من الحرب في افغانستان والعراق وعمليات القتل في دول اخرى ، ما زال اسامة بن لادن وايمن الظواهري يخططان لمزيد من العمليات من مخابئهما الجبلية في المناطق الحدودية الباكستانية والافغانية. صحيح ما يقوله البيت الابيض بأن العراق هو الجبهة المركزية في الحرب على الارهاب ما دامت القاعدة في حالة صدام واشتباك مستمر مع القوات الاميركية هناك ، لكن ما ينساه البعض ان العراق لم يكن قبل الغزو الاميركي مرتبطا بالارهاب او القاعدة. اما ما يجب التأكيد عليه فهو ان الحرب الاميركية الخاطئة على العراق لم تحول تلك الدولة الى محطة تصدير واستيراد للمقاتلين والارهابيين من كافة الدول والتوجهات فحسب ، لكنها فرخت والهمت وعبأت آلاف الخلايا الناشطة او النائمة وولدت عشرات الالاف من المواقع الالكترونية التي تتبادل المعلومات والافكار الارهابية. الله وحده يعلم ماذا سيحدث اذا وقع الهجوم الكبير القادم على الولاياتالمتحدة ، والله وحده يعلم الى اين ستأخذ الحرب الاميركية على العراق المنطقة.. والعالم كله. عن جريدة الدستور الاردنية 19/7/2007