لبنان بعد حكومة الوحدة الوطنية محمد خرّوب اليوم الأحد، قد يعرف اللبنانيون الاسماء والحقائب والاحزاب التي ''نجحت'' في النهاية بالتوافق على حكومة الوحدة الوطنية. هذا هو لبنان، بلد المفاجآت والغموض وحب الحياة والطائفية وأيضاً الرسالة.. وكل ما يمكن ان ترى فيه استثناء، صادماً أو دافعاً على التفاؤل في الان عينه.. كادت بلاد الأرز ان تسقط في الهوة الفاغرة ''فاها'' بعد احداث السابع من أيار وأسهب المحللون و''الخبراء'' في الحديث عن الطريق الإجباري الذي بات على اللبنانيين سلوكه بعد أن هيمنت ظلال المذهبية على المشهد وغدت الأمور ''محكومة'' وفق الخبراء والمحللين الجهابذة، بمواجهة بين الشيعة والسنّة فيما بدا المسيحيون وكأنهم وقعوا في ''فخ'' الاختيار بين مشروعين او هكذا بدا الأمر وكانت طبول الحرب تقرع في ''معراب'' حيث يقبع سمير جعجع الذي لم تغادره للحظة أحلام استعادة ماضيه الميلشياوي الدموي، بعد ان أيقن ان نجمه قد أفل، وأن حكمة التاريخ آخذة في التجسد وانه لن يصح إلاّ الصحيح في النهاية والصحيح هنا، هو ما يتوفر عليه تكتل التغيير والاصلاح من تمثيل حقيقي للمسيحيين وخطاب سياسي ''ودولتي'' ينهض في الأساس على بناء لبنان الجديد بعيدا عن الارتهان لأي وصاية عربية كانت ام اجنبية، ووقف الفساد ونهب القطاع العام والتحقيق في الاسباب التي أدت الى وقوع لبنان في قبضة المديونية الضخمة التي يئن تحت كاهلها لبنان منذ عشر سنوات والتي تزيد على أربعين مليار دولار. الجنرال ميشال عون هو الذي ''قلقل'' أوضاع جعجع والجميل وبقايا قرنة شهوان على النحو الذي كشفه اتفاق الدوحة الذي أسهم في شكل او آخر في الحال الثانوية التي باتوا عليها لدى فريق 14 آذار، الذي يعيش هو الآخر مرحلة ما بعد 8 أيار وتداعياتها السياسية والشعبية إن لجهة تكريس معادلة جديدة ؟ وواقعية ؟ في مسألة الأوزان والحجوم أم في ما خص الاحتمالات الماثلة لما ستكون عليه نتائج انتخابات العام المقبل في ضوء ''قانون الستين'' الذي توافق عليه ''الافرقاء'' في اتفاق الدوحة.. لماذا الجنرال عون؟. العناوين كانت واضحة غداة التوقيع على اتفاق الدوحة وخصوصا في شأن استعادة التمثيل المسيحي الحقيقي لتيار التغيير والاصلاح الذي تم استبعاده بعد انهيار التحالف الرباعي او على وجه الدقة تآمر فريق 14 آذار على الجنرال عون الذي كان جزءاً مهما من فريق 14 آذار لكن جنبلاط والحريري فضّلا عليه جعجع والجميل والمنشقين على حزب الطاشناق الارمني أو قل فضلوا ''مسيحييهم'' على الرجل الذي فازت لائحته بأصوات اغلبية المسيحيين فيما جاء مسيحيو 14 آذار بأصوات المسلمين، ولهذا لم يكن مفاجئاً تصاعد الدعوات الى ان يقوم المسيحيون بانتخاب المسيحيين كما ينتخب المسلمون أبناء مذاهبهم. لهذا فإن الحديث عن الجنرال عون، لا ينطلق من فراغ والاتكاء على المقولة الدارجة بأنه رقم صعب، لا يمنح أفضلية لهذا السياسي المنسجم مع نفسه وقناعاته وخصوصاً استقلاليته والذي يمكن أن تجد فيه العديد من السلبيات وتُوجِه له انتقادات اخرى، إلاّ أنه يتمايز على كثيرين بالصدق مع الذات والفهم العميق للمعادلات اللبنانية والاقليمية والدولية وعدم ارتهانه لتحالفات وارتباطات مشبوهة يمكن ان تجعل منه أسير أُعطية او جزءاً من مخطط يأخذ لبنان الى مربع غير مربع الاستقلال والحرية والسيادة وهو الشعار الذي رفعه انصاره في التيار الوطني الحر في الاعوام التي تلت ''نفيه'' الى باريس هذا النفي الذي استمر 15 عاما، والتي بدت (شعارات التيار الوطني الحر) وكأنها سباحة ضد التيار حيث الوجود السوري العسكري والسياسي وحيث كل القوى السياسية والحزبية متحالفة مع دمشق وعلى رأسها التشكيلات المسيحية المختلفة وخصوصا جنبلاط ورفيق الحريري وأولئك الذين يبدون الان عداءً غير مسبوق لسوريا ويعقدون التحالفات الإقليمية والدولية لمحاصرتها بل إن أحدهم لم يتردد في دعوة ادارة بوش الى غزوها وإسقاط نظامها على الطريقة العراقية.. فيما لم يجد عون أي حرج وهو الصديق ''السابق'' للولايات المتحدة واحد مهندسي القرار 1559 والذي مارس ضغوطاً قوية لاستصدار قانون محاسبة سوريا الذي أقره الكونغرس.. في توجيه نداء لأنصاره ولكل اللبنانيين، لمقاومة السياسة الاميركية في لبنان ثم كرر ذلك يوم اول من امس الجمعة، عندما دعا الولاياتالمتحدة الى عدم التدخل في الشؤون الداخلية لبلاده، حيث ''أصرّت'' واشنطن على عزله ومعاقبته بعد توقيعه وثيقة التفاهم مع حزب الله قبل عامين. عون نجح في الحصول على ما اراد من حقائب وزارية تتماشى مع تمثيله المسيحي الاكبر في مجلس النواب وهو وإن لم يحقق كل مطالبه وبخاصة في وجود تكتل الإصلاح والتغيير على رأس وزارة سيادية كالمالية، إلاّ أن قبوله بالاقتراح الاخير (نائب رئيس وزراء و4 حقائب خدمية مهمة) يعكس بالفعل وزنه وثقله في المشهد السياسي والحزبي وخصوصاً النيابي والذي لم يكن لحكومة تحمل اسم حكومة الوحدة الوطنية ان تتجاوزه او تتجاهله. طريق الحكومة الجديدة ليس مفروشاً بالرياحين، والألغام مزروعة في الحقول التي ستسير فيها، ليس فقط في شأن الحوار الوطني الذي سيكون برئاسة رئيس الجمهورية هذه المرة بعد ان يجلس نبيه بري في مقاعد المعارضة كطرف، وانما ايضا في البيان الوزاري وقانون الانتخاب وطبيعة الملفات التي سيتم فتحها لاحقاً وخصوصاً ملف سلاح المقاومة والاستراتيجية الدفاعية والعلاقة مع سوريا. عن صحيفة الرأي الاردنية 6/7/2008