تركيا.. انقلاب عسكري ام احتواء مزدوج؟ محمد خرّوب ليست صدفة بالتأكيد، ان تتزامن مرافعة المدعي العام التركي عبدالرحمن يالتشين يوم اول من امس، والتي دعا فيها الى حظر حزب العدالة والتنمية الحاكم وحرمان 71 شخصية من حقوقهم السياسية (وعلى رأسهم رجب طيب اردوغان زعيم الحزب ورئيس الوزراء كذلك عبدالله غل رئيس الجمهورية)، لأن هناك خطراً واضحاً وقائماً يشكله الحزب الذي يسعى الى فرض دولة دينية على انقاض الدولة العلمانية، التي اسسها كمال اتاتورك في العام 1923، وفق اقوال مدعي عام الجمهورية التي (كما أسلفنا)، تزامنت مع الاعلان عن حملة اعتقالات طاولت سبعة من الجنرالات والصحفيين والتجار، بحجة التخطيط لانقلاب عسكري يستهدف اطاحة حكومة اردوغان، التي تواجه خطر السقوط اذا ما اصدرت المحكمة الدستورية قراراً ب (اغلاق) الحزب، كما ينادي من يوصفون بالعلمانيين.. القرار لن يصدر قبل نهاية الشهر الجاري، والمرافعة التي سيقدمها حزب العدالة والتنمية يوم الخميس رداً على مرافعات المدعي العام، ربما لن يكون لها التأثير المرجو، الا اذا رافقتها وقائع ميدانية على الارض تخلط الاوراق وتعزز من الاوراق التي يتوفر عليها الحزب الحاكم، الذي يبدو حتى الان وكأنه على يقين بأن الخطر سيطاله، الا انه يراهن على اليوم التالي لقرار الاغلاق، والذي قد يضع تركيا في دائرة عدم الاستقرار ويحول انتصار التيار العلماني (بحظر الحزب) الى هزيمة حقيقية يمكن ان تسفر عن تغييرات في بنية التيار القومي المتعصب الذي يقود حملة اغلاق حزب العدالة والتنمية مرتدياً قميص اتاتورك الذي اوشك ان يبلى بعد ان بدت الاتاتوركية وكأنها (بل هي كذلك) اصولية حقيقية تمارس الاساليب والمقاربات التي تنكرها على خصومها والهدف من كل هذا التشدد هو المحافظة على الامتيازات التي يوفرها الاستمرار في حمل راية العلمانية والمحافظة على ارث اتاتورك فيما هم يديرون ظهرهم لارادة الشعب التركي حيث نجح الاسلاميون في استمالة اغلبية مريحة منهم، على رغم ما لحق بهم من عسف العسكر وتسلط المحاكم (على اختلاف درجاتها) حيث ينحصر في هاتين المؤسستين (العسكرية والقضائية) الثقل العلماني، المثقل هو الآخر بشعارات وتفسيرات ومقاربات تكاد ان تكون الوجه الآخر لما يطرحه اسلاميو تركيا الذين تعددت تسميات احزابهم لكن خطابهم بقي على حاله وان استمروا في ادخال كثير من المصطلحات عليه التي تصعّب من تدخل العسكر في ادارة شؤون الحكم او انزال دباباتهم الى الشوارع كما فعلوا اربع مرات منذ العام 1980 (انقلاب الجنرال كنعان ايفرن) وايضاً في المراهنة على القطاع التجاري والصناعي والتجار الكبار الذين تداعبهم احلام الانضمام الى الاتحاد الاوروبي بكل ما تتيحه عضوية تركيا في هذا الفضاء الجغرافي والبشري (450 مليون نسمة) وخصوصاً الاقتصادي من فرص هائلة للاستثمار والارباح والشراكات. المشهد التركي ساخن وربما يكون عاصفاً اذا ما اتخذ الجيش موقفاً معارضاً لحملة الاعتقالات التي شملت اثنين من جنرالاته المتقاعدين على خلفية الادعاء بالاعداد لانقلاب عسكري رغم ان المعارضة (العلمانية) تتهم حكومة اردوغان بأنها ارادت من خلق هذه العملية ? التي لم يكن توقيتها صدفة في نظرهم ? لشراء المزيد من الوقت وارباك خصومهم الذين يقتربون من استصدار حكم بحظر الحزب.. ومنع قادته من ممارسة العمل السياسي لخمس سنوات مقبلات. رجب طيب اردوغان، يبدي نوعاً من الدهاء، عبر تجاهل خصومه واتهامهم بانهم لا يتحملون حزب العدالة والتنمية فقط وانما هم لا يتحملون الديمقراطية ولهذا فهم يريدون شطب ارادة 45% من الناخبين الاتراك الذين منحوا اصواتهم لمرشحي الحزب لصالح المتعصبين الذين يزعمون الدفاع عن العلمانية والاتاتوركية، فيما حزبنا (يقول اردوغان) يواصل القول والعمل بانه يلتزم مبادئ الجمهورية ولا يريد الانقلاب عليها. الانقلاب عليها؟. نعم، يرى العلمانيون ان اردوغان وعبدالله غل استفادا من تجربة معلمهما (نجم الدين اربكان) ولم يكن تمردهما وخروجهما عليه والمسارعة الى تشكيل حزب العدالة والتنمية بعد حظر حزبه وحرمانه حقوقه السياسية، سوى رغبة في الانقلاب على أسس الجمهورية خطوة خطوة تجلت مؤخراً في قانون السماح بارتداء الحجاب داخل الجامعات بذريعة مساواة الاتراك في الحقوق والزامية التعليم للجميع (المحكمة الدستورية ألغت القرار رغم ان القرار اتخذه مجلس النواب صاحب الحق الوحيد في التشريع واصدار القوانين) لكن المحكمة الدستورية في مبادئ جمهورية اتاتورك فوق ارادة ممثلي الشعب. عندما تنتهي مرافعة الحزب الحاكم اليوم ستبقى انظار الاتراك كما الاتحاد الاوروبي شاخصة نحو قرار المحكمة الدستورية المتوقع نهاية الشهر الجاري لكن تداعيات الكشف عن انقلاب عسكري يخطط له العلمانيون (أحدهم يترأس جمعية الفكر الاتاتوركي)، يمكن ان تغير الكثير من المعطيات، لأن المؤسسة العسكرية باتت في مقدمة المشهد. عن صحيفة الرأي الاردنية 3 / 7 / 2008