الجزائر: صدر مؤخرا عن منشورات الجاحظية كتاب "سيرة الوجع"، وكتاب "كشف الغمة" عن منشورات مديرية الثقافة في ولاية معسكر، وهي المخطوطات التي تركها الباحث في علم الاجتماع الثقافي عمار بلحسن بعد إصابته بمرض السرطان، أمانة عند الروائي الطاهر وطار. ووفقا لجريدة "الحياة" اللندنية يحلل الباحث في كتاب "كشف الغمة" مختلف الظواهر الاجتماعية والثقافية والسياسية التي أدت بالجزائر إلى تلك الوضعية المأزومة باستمرار. جاء تقديم الكتاب على شكل رسالة الى لقارئ الجزائري يقول فيها "بكل ما ترك لي المرض المستعصي من صفاء وبكل ما بقي في الجسد من نفس، وفي القلب من حب، وفي العقل من عقلانية، كتبت ما كتبت قاصداً تنبيه الغافل، واستنطاق الصامت، وكشف الغمة، غمة الروح الجزائرية في مأزقها، أزمتها ومحنتها". يتكون الكتاب من ثلاثة أقسام رئيسة، يتناول القسم الأول بؤس الحياة الإيديولوجية الجزائرية، وارتباطها بالمعيش اليومي في الحياة الجزائرية من أقصاها إلى أقصاها عناصر بئيسة تجعل من الوقت الاجتماعي والزمن الانساني كتلة ثقيلة بحيث يصبح الفرد والجماعة وكأنهم معاقون بالمعيش، وميزات هذا الوضع يجمله في الأعطاب الظاهرة على السطح. حياة استهلاكية مستعصية، ثقافة يومية معطوبة، وحياة عاطفية وأخلاقية وجنسية مكبوتة، لا تمتلك أي قناة للتصريف والممارسات الاجتماعية الحرة. والسبب يطرح في صيغة سؤال: كيف أطرت السلطة السياسية وصنعت حياة المواطن الجزائري، كيف أنتجت هندامه وعقله ومخيلته؟. وقادت هذه الحالة المشلولة إلى تحويل الجزائري إلى "أنا عنيفة، مرمية في الحداثة والعصر، متطرفة ومتمزقة، ذات توجه وممارسة منغلقة، تمتاز بالتدين الصارخ، والمحافظة الظاهرة من جهة، وحب الخارج والسفر واستهلاك الأجنبي الفاضح من جهة أخرى" إن السبب المباشر كما يذهب تحليل الباحث هو في كارثية الدولة الوطنية التي وجهت الفرد الجزائري وصنعته ضمن تأطيرها الايديولوجي والسياسي والمنفعي الخاص بها منذ أكثر من ثلاثين عاماً «على أساس سياسة توزيع الريع البترولي على الجميع ومن دون عمل وحتى بالعملة ما أدى إلى استفحال مظاهر الفساد وعلى رأسها الرشوة. في القسم الثاني من الكتاب المعنون ب"الفضاء الجحيمي" يتحدث الكاتب في شكل خاص عن بؤس العمران الجزائري، من تدمير أو اختفاء المراكز التقليدية - الحرفية، الى ترييف المراكز الأوروبية، وانحطاط الريف عبر سياسة تمدين وتحديث أدت إلى انحطاط الزراعة وندرة الإنتاج وقلته. يقول الكاتب "لم تبق في الجزائر المعاصرة أية مدينة أو حاضرة عصرية، ولم تنشأ أي مراكز عصرية أو تقليدية مزدهرة في كل المدن المعروفة. هناك عقم عمراني، يطرح علينا هذا السؤال المباشر: ماذا فعلت البيروقراطية بالسكن والإعمار؟. في القسم الثالث يقترب الكاتب من وضعية الثقافي والمثقف في الجزائر عبر عنوان "صعلكة الانتلجنسيا، اختلاط الحابل بالنابل"، لقد تمت بطريقة موجعة وأليمة زحزحة المثقف عن دوره الحقيقي، من خلال إضعاف مقدرته المادية، والتعامل معه بالطريقة نفسها التي تعاملت الاشتراكية بها مع جميع مواطنيها من دون تمييز بين جامعي وعامل في مصنع أو فلاح وغير ذلك. ويتطرق للمسألة اللغوية في شقها المأسوي حيث النخبة المفرنسة التي ترى في نفسها المخاطب الوحيد للسلطة والتي تقوم بدور العازل والمهمش لأي صوت أو جماعة مخالفة لها كالجماعات المعربة حتى لو كانت حداثية، مما أوجد فجوة كبيرة وحقداً وعداوة مستحكمة في أوساط المثقفين.