الدوحة: نظّمت المؤسسة العربية للديمقراطية صباح أمس حفلاً أعلنت فيه عن إصدار كتابين الأول «اتفاق الدوحة» وتحته عنوان فرعي «بناء ثقافة المواثيق في لبنان.. من أجل مواطنية فاعلة». الكتاب الثاني جاء بالاشتراك مع مركز دراسات الوحدة العربية وحمل عنوان «مؤشرات قياس الديمقراطية في البلدان العربية». وتحدث للصحافة المحلية حول الكتابين الأمين العام للمؤسسة الدكتور محسن مرزوق، معرفاً بالكتابين أولاً، ومقدماً تفصيلات حول مشاريع المؤسسة المستقبلية ورؤاها خصوصاً في كيفية إدارة وإنتاج المعارف الديمقراطية. ووفقاً لصحيفة "الوطن" القطرية يضم كتاب «اتفاق الدوحة» بين دفتيه الوقائع الكاملة لمؤتمر اتفاق الدوحة في 21 مايو 2008، الذي أقامته المؤسسة العربية للديمقراطية بالتعاون مع المؤسسة اللبنانية للسلم الأهلي الدائم في بيروت يوم 20 ديسمبر 2008، المؤتمر الذي جاء تتويجاً لأشهر من البحوث والدراسات التي قامت بها المؤسسة إيماناً منها بأهمية اتفاق الدوحة التاريخية وأهمية متابعة آثاره على الحياة الديمقراطية في لبنان وتأسيس المواطنة، وهو الاتفاق الذي ارتبط اسمه بنجاح الوحدة الوطنية وبتوافر درجة من المناعة اللبنانية حيال مخاطر الانزلاق إلى حروب أهلية جديدة كونه شكل إطاراً واقياً من الحرب الداخلية كما شكل اتفاق الدوحة 2008 آخر المواثيق اللبنانية في سياق تاريخي حافل بالنزاعات والتسويات والوساطة والتوازن والتفاهم والائتلافات. وشارك في المؤتمر مجموعة كبيرة من الشخصيات العربية من مفكرين وباحثين وناشطين ومهتمين إضافة إلى أكثر من خمسين شخصاً من المهتمين في جمعيات أهلية وجامعات لبنانية. وينطلق الكتاب في الأهداف العامة من كون اتفاق الدوحة يندرج في إطار المواثيق اللبنانية ومفهوم المواثيق في الدراسات التاريخية والدستورية المقارنة هو التأكيد على ما جاء في وثيقة الوفاق الوطني-الطائف وتطبيق واستمرارية له، في سبيل السلم الأهلي وتسيير المؤسسات، وفي سياق المبادرة العربية والتضامن العربي في ظل ظروف داخلية وإقليمية ضاغطة. واتفاق الدوحة هو حدث تاريخي تأسيسي يحتاج إلى سياق ثقافي، وإلى دعم من المجتمع الأهلي، وإلى ذاكرة تستخلص منه العبر للمستقبل، بخاصة للجيل الجديد. في تقديمه للكتاب يوضح رئيس الوزراء السابق سليم الحص أن ثمّة فروقاً بين الوفاق الوطني المعروفة ب«اتفاق الطائف» وميثاق الدوحة. كان اتفاق الطائف ميثاقاً جديداً أعاد النظر في الخطوط العامّة للنظام السياسي في لبنان، بينما كان ميثاق الدوحة محطّة هامّة أنهت خلافات مستحكمة بين الفئات السياسية في مرحلة معيّنة من الأزمة السياسية التي كانت محتدمة في لبنان. فنصّ الميثاق على انتخاب رئيس للجمهورية وإقامة حكومة وحدة وطنية تجمع أطراف النزاع. وقد طبق اتفاق الدوحة ولم يطبق اتفاق الطائف في جوانب حيوية منه. جاء الكتاب في أكثر من 400 صفحة موزّعة على أبواب ثلاثة هي البعد التاريخي في اتفاق الدوحة، البعد المؤسساتي: المؤسسات الدستورية واستمراريتها، بعد المجتمع المدني: دعم اتفاق الدوحة. كما يضم الكتاب ملحقاً توثيقياً جاء ليسلط الضوء على جذور وثيقة الدوحة وحيثيات جلسات مجلس النواب اللبناني التي أفضت لانتخاب رئيس الجمهورية. ومن أوراق المؤتمر موضوع الكتاب مداخلة الدكتور انطوان سيف التي قال فيها: ان الفكر اللبناني احتقر المواثيق وكأنها مجرّد تركيبة مصطنعة. ولم يعتد الفكر السياسي والحقوقي هذه الأبحاث، إذ ليس في تراثه ديمقراطية تقوم على المواثيق أو على الأقل على النقاش الذي يسبق الدولة». من جهته قدم الدكتور طوني عطا الله قراءة تاريخية وتوثيقية لاتفاق الدوحة من خلال التأكيد على أن «الاتفاق ليس حدثاً حصل في التاريخ في صورة عابرة، بل يقع في سياق مسار طويل من ممارسة سياسة التسوية إذ حقق اللبنانيون أرقاماً قياسية في اتفاقات السلام، من دون أن يؤدي بعضها إلى وضع حل للنزاعات». وفي ورقة الدكتور سليم الصايغ نستشف أن لبنان أمام فرصة تاريخية لتشخيص ومعالجة ما يحصل في التطبيق للخروج من فدراليات أمنية. وحسب العميد صالح طليس فإن اتفاق الدوحة أعاد مفهوم حق الفيتو في الأنظمة الائتلافية إلى أصوله الدستورية حسب المادة 65 من الدستور. وخلص الكتاب إلى استنتاجات عديدة وأهمها: ضرورة وجود تسوية سياسية راقية لواقع استثنائي محدد. ثانياً: الأزمة لم تبلغ نهايتها ويجب عدم تحميل اتفاق الدوحة أكثر من أهدافه ويبقى الهدف الأساسي تجنّب حرب أهلية أو داخلية، ومن ثم ترميم النظام لكي يعمل. ثالثاً: السلام السياسي هو فوقي ويحتاج إلى سلام اجتماعي في بنية المجتمع. رابعاً: ميثاق مواطنية: المواطنية هي فكرة سياسية واجتماعية ولا مناص من تأسيس منتديات مواطنين وميثاق المواطنة. ومن أبرز المقتضيات التركيز على الحريات التي هي عنصر توحيدي. خامساً: تنقية المصطلحات، إذ تنمو النزاعات في مستنقعات التعبئة الشعاراتية والحاجة تالياً إلى تنقية المصطلحات وإعادتها إلى أصولها. سادساً: خلق شبكة أمان: ضرورة خلق شبكة أمان اجتماعي حمايةً وصيانةً للمواثيق الوطنية ونقلاً للثقافة الميثاقية إلى الجيل الجديد. مؤشرات قياس الديمقراطية تضمن كتاب «مؤشرات قياس الديمقراطية في البلدان العربية» تقارير وبحوث ومناقشات ورشة العمل التي عرفتها ورشة العمل المنعقدة في بيروت بتاريخ 23-25-6-2009، ويأتي هذا الكتاب في إطار جهود المؤسسة الرامية إلى تسليط الضوء من خلال النقاشات المعمّقة على «حال الديمقراطية في البلاد العربية ومعالجة مشكل محدودية وتحديّات وضع مؤشرات لقياس الانتقال الديمقراطي في المنطقة العربية وهذا من خلال الاستفادة من تراكم التجارب المعرفية السابقة. واستهدف برنامج الورشة موضوع الكتاب تحقيق هدفين رئيسيين، الأول: العرض المنظّم لمؤشرات قياس الديمقراطية، وفق أحدث المتاح في هذا الشأن، من المنظمات والمؤسسات الدولية والعربية ذات الصلة، مع اقتراح مجموعة متجانسة من المؤشرات المناسبة للبلدان العربية وتبادل الرأي حولها. الثاني: تبادل الخبرات بين الأطراف الممثلة في ورشة العمل. ويقدم الكتاب الذي جاء في 167 صفحة من الحجم المتوسط للمهتمين ما عرض داخل الورشة من بحوث وتقارير حول «مؤشرات الديمقراطية والإصلاح الديمقراطي في البلدان العربية» وهي الدراسة التي قدّمها الدكتور انطوان مسرة. وكذا تجربة «مرصد الإصلاح العربي» بمكتبة الإسكندرية في ورقة للأكاديمي السيد يسين. وفيما يتعلق بموضوع تبادل الخبرات أدرجت أوراق عمل عن خبرة «مبادرة الإصلاح العربي» في مجال القياس، إضافة إلى ورقة أخرى ممثلة لتجربة» المعهد الدولي للمساعدة في الديمقراطية والانتخابات ()ةء، بالسويد. ويضع الكتاب بين يدي القارئ التوصيات التي خلص إليها المشاركون في الورشة وأبرزها: أولاً: أهمية الجمع بين المؤشرات الكمّية والكيفية لقياس الديمقراطية. ثانياً: القراءة النقدية للمؤشرات العالمية، ويتبع ذلك تطويع المؤشرات للتلاؤم مع الحالة العربية، وابتكار مؤشرات أكثر اتفاقاً مع ظروف البلدان العربية. ثالثاً: الترابط بين البعد المعرفي والفهم والتطبيق الديمقراطي. رابعاً: الربط بين الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية في تركيب المؤشرات، لتقييم مدى التقدم على طريق الديمقراطية في البلدان العربية. خامساً: وضع قواعد محدّدة للتنسيق في ما بين المراكز والمنظمات المشاركة لغرض التوافق على منظومة مؤشرات لقياس الديمقراطية في البلدان العربية بمفهومها الشامل، خطوةً أساسيةً من أجل التوصّل إلى وضع ما يمكن عدّه «خريطة طريق» حول كيفية الانتقال إلى الديمقراطية. التحديات المنهجية يطرح الدكتور محسن مرزوق سؤالاً هاماً يمثل تحدياً منهجياً: كيف يمكن قياس الديمقراطية في أوضاع ما قبل الديمقراطية؟ وقال إن هناك مناهج عديدة لمقاربة موضوع المؤشرات وان المؤسسة العربية تفتح نافذة لتبادل الأفكار، الأمر الذي يساعد العاملين في موضوع الديمقراطية على استكشاف جوانب من واقعهم، وتسطير استراتيجيات خاصّة للانتقال الى النظام الديمقراطي. في هذا السياق يتساءل مرزوق عن الوضع الحالي للديمقراطية في البلدان العربية: كيف نصفه؟ هل هو نصف سلطوي؟ قبل سلطوي، قبل ديمقراطي؟ أو في مرحلة انتقال إلى الديمقراطية؟ في الواقع، يعتبر البعض أن الديمقراطية لا تسود إلا إذا بدأنا في دمقرطة التربية، ولكن الواقع مناقض لهذا الطرح. فكل تجارب الانتقال الديمقراطي تمّت على مستوى السلطة. ومن بعدها جاءت التغييرات الأخرى. يضيف: لا شيء حدث تدريجياً كأن نقول: الناس درست وتعلّمت، وصار عندها أفكار جيدة، وقيم مهمّة، مما أدى إلى تغيير على مستوى السلطة. الهند مثلاً أوسع ديمقراطية في العالم، فيها تخلّف، وفيها فقر، وفيها شعوب متعدّدة، وليس فيها هناك ديمقراطية على مستوى العائلة، وليس هناك احترام للرأي الآخر. من جهة أخرى لا بدّ من دراسة النظام العربي، وتبيان آلية اشتغاله. إذ كل التقارير العربية والدولية تقول إنه لا يوجد بلد عربي واحد يمكن اعتباره نظاماً ديمقراطياً. ولكن يمكن الدفع باتجاه الديمقراطية، من خلال مطالب معيّنة، مطالب تخلق حالة اختلال تؤدي إلى تفكيك النظام الاستبدادي، ودفعه باتجاه التغيير. وأشار مرزوق إلى جملة من المشاريع أمام المؤسسة العربية للديمقراطية ومنها «اتفاق دارفور»، على غرار «اتفاق لبنان»، وهو الأمر الذي يؤكد -بحسبه- أهمية الأرشفة، حيث التاريخ بوصفه تراكماً فقد لدينا الكثير من علميته وأرجع ذلك إلى أننا نبدأ التاريخ من نقاط متعددة، فما كنا قد بدأناه سابقاً قد نمحوه لنبدأ من نقطة جديدة. ومن المشاريع الماثلة للدرس أفلام وثائقية، وطباعة أعمال مختارة لمصلحين كبار مثل الكواكبي والأفغاني وخير الدين التونسي ومحمد عبده. بل العودة إلى مؤلفات العصر الوسيط لابن رشد وابن خلدون وغيرهما، وذلك لتطوير معارفنا الديمقراطية ضمن أدواتنا وأفقنا الخاص، لكنه مع هذا رأى أن ارتفاع وتراكم المعارف ليس هو الذي يقود إلى التحول بتبسيط واختزال، بل لا بد من العمل السياسي المباشر. فالتحولات إلى الديمقراطية تشمل مصالح بين ومراحل تاريخية وتوازنات قوى.