إذا العربية.. والمدينةالأمريكية بقلم: زكريا تامر ثمة مدينة أمريكية صغيرة، عدد سكانها زهاء خمسة آلاف شخص، ويشرف علي شئونها مجلس بلدي ذو ميزانية تعرف مباهج اليسر وبؤس العسر، ولما اصيبت خزائنها بالعسر الذي بلغ حد العجز عن دفع رواتب رجال الشرطة قرر مجلسها البلدي الاستغناء عن رجال الشرطة اجمعين، وإذا المدينة تعيش بلا رجال شرطة. ولابد من أن صغار اللصوص قد رحبوا بهذا الحدث الجلل الذي يتيح لهم حرية العمل، ولابد ايضا من ان ثمة اناسا قد ارتجفوا رعبا علي ممتلكاتهم متناسين أن مجموع سرقات صغار اللصوص في سنة لا تعادل سرقة لص كبير في ساعة، اللصوص في الزمان الراهن نوعان لصوص كبار ولصوص صغار. اللص الصغير يسرق فردا، واللص الكبير يسرق شعبا، اللص الصغير محتقر مهان مطارد، واللص الكبير مبجل مكرم. اللص الكبير هو ذاك الذي لا يعترف بالفوارق والحدود بين جيبه وبين خزينة الدولة وثروات الناس. من البديهي أن رجل الشرطة صاحب دور خطير في حياة المجتمع، ولكنه حين ينتقل من دور حامي الناس إلي دور المضطهد للناس والحامي للحاكم فإن الخلاص منه يصبح امنية وحلما ومطلبا وغاية يسعي لها وما فعله مسئولو المدينةالامريكية لن يفعله أي مسئول عربي نهج المدينةالامريكية في التعامل مع الازمات هو النهج الرائع فإلغاء ما يعتقد الناس أنه لا غني عنه هو النهج الجدير بأن يتبني في البلاد. وإذا ألغيت السفارات، فقد عدد من الموظفين المحظوظين رواتبهم المدفوعة بالعملات الصعبة، ولكن البلاد ستحافظ علي سمعتها. إذا ألغي الأدب، حزن القلب البشري لكونه خسر الصوت الحار المعبر عنه، ولكن الادعياء سيخسرون أيضا وسيلتهم لنشر تفاهاتهم وصورهم واحاديثهم الخاصة والعامة التي تزرع غبارا وتحصد غباراً وجراداً. إذا ألغيت المدراس، عم الاسف، ولكن جهلا أصيلا خير من علم ووعي مضلل مزيف، إذا ألغيت المستشفيات، تخلصت البلاد من جلادين في ثياب بيض واعتمدت علي الله الشافي. إذا ألغيت الاذاعات، هزم الكذب، ولن يتاح لعباد الله سماع اقوال الزعماء والقادة السياسيين وخدمهم وهي اقوال اتطلق النار علي العدل وتسير في جنازته حزينة ملتاعة مولولة. إذا ألغيت أبواب البيوت فسيجوع بعض النجارين والحدادين، ولكن الحياة ستزداد مرحاً فالبيت ذو باب واحد ونوافذ عديدة ذات فوائد.. إذا ألغيت السيارات، والطائرات استعادت الحمير والجياد والجمال مجدها الغابر التليد، وساهمت من جديد في تقدم ركب الحضارة الانسانية. إذا ألغيت الرياضة، فهذا دليل علي أن اعوام الفرح قد ولت بغير رجعة واضاع بعض الحكام حرساً امينا من حراس كراسيهم. إذا ألغيت الاسلحة، اقفلت مصانع ومصارف وعاش السماسرة في ملاجئ الايتام، وذاع نبأ انقلابات عسكرية ناجحة قام بها حاملو العصي ومالكوها والعصا دائما لمن عصي. إذا ألغيت الصحافة، خسرت الجيوب وربحت العقول.. خسر افراد وربحت أمم. إذا ألغي العقل طرد الحكام المستبدون من قصورهم ودباباتهم فالعقل يتنبه إلي المخاطر وقد يخشاها وينأي عنها أما القلب ذلك النزق الطائش فهو العاصفة التي تهب بغير مبالاة بالنتائج وبغير اسئلة. إذا ألغيت اللغة، نبح بعضهم، وخار بعضهم، ونعب بعضهم وكانت اللغة القناع الجميل الذي يخفي الوجه القبيح. إذا ألغيت الشكوي، تضاءل الكلام، وتكاثرت الافعال، والأفعال فقط هي التي تبدل وتخيف وترهب. ** منشور بجريدة "الراية" القطرية 30-6-2007