أنقرة : آثارت الدعوى القضائية التي اقامها المدعى العام الجمهوري لمحكمة الاستئناف لإغلاق حزب العدالة والتنمية الحاكم التساؤلات حول الحرب التقليدية بين العلمانيين والإسلاميين في تركيا. وترددت تساؤلات حول توقيت رفع الدعوى التي تهدف إلى تجميد نشاط 71 من قيادات الحزب الحاكم وقياداته وفي مقدمتهم رئيس الحزب رئيس الوزراء رجب طيب أردوجان ورئيس الجمهورية عبد الله جول . ويرى مراقبون أن المدعي العام عبد الرحمن يالتشين كايا تعرض لضغوط شديدة من جانب العلمانيين لتحريك هذه الدعوى طمعا في الإجهاز على الحزب الذى جسد رمزا لعجزهم لدورتين متتاليتين من الانتخابات البرلمانية . وأضاف المراقبون أن الحرب على حزب العدالة والتنمية اشتدت كثيرا بعد فوزه الساحق في الانتخابات البرلمانية المبكرة التى جرت في 22 يوليو/تموز الماضي ، والتي فتحت الباب أمام انتخاب جول رئيسا للجمهورية في أغسطس/آب ، وهو ما يعنى أن الحزب استطاع بمهارة أن ينجو من حرب لتكسير عظامه وخرج منها منتصرا . ونجح الحزب في توجيه ضربات قاسمة للعلمانيين بعد أن استطاع فتح باب القصر الجمهوري أمام سيدة محجبة هى " خير النساء جول " لدخول للمرة الأولى فى تاريخ الجمهورية . وحاولت جيوش العلمانية مواجهة التقدم الكاسح للحزب الحاكم من خلال عدة خطوات بينها التحريض على رفع دعاوى قضائية لحل الحزب الذى يوصف بأنه ذو جذور إسلامية. ولم يكن رئيس الوزراء رجب طيب أردوجان غافلا عن هذه الخطة ، ولذلك بدأ العمل ومنذ وقت طويل على تجهيز سيناريو مضاد للقضاء على الجناح العلماني السري ، وأصدر تعليمات لأجهزة الأمن منذ عام 2004 بمتابعة ما أسماه تنظيم "الدولة السرية" . وكانت أجهزة الأمن قد فجرت قضية بعد ضبط متفجرات وقنابل يدوية في منزل بحى عمرانية فى اسطنبول وتم القاء القبض على مجموعة من الضباط المتقاعدين وصحفيين ومحامين ورجال أعمال وأكاديميين علمانيين شكلوا فيما بينهم تنظيما سريا بسمى " أرجناكون " تغلغل فى أجهزة الدولة وارتكب جرائم كبرى وتورط مع المافيا ودبر لهز الاستقرار في تركيا عبر الاطاحة بحكومة أردوجان واغتياله. وأرجناكون هي جمعية سرية علمانية محظورة ، ولم تحصل على الاعتراف من جانب الدولة ، وتضم هذه الجمعية التى يعنى اسمها " إذابة الجبال " عددا كبيرا من العلمانيين المعروفين بميولهم القومية أو اليسارية، وهم مقربون من النخبة العلمانية المؤثرة ، وبالتالي يستفيدون من المؤثرين في صناعة القرار من العلمانيين. يقول الخبراء إن أعضاء هذه الجمعية يرون أن تركيا محاصرة الآن بين جبال حزب العدالة والتنمية بجذوره الإسلامية ؛ وأنها لن تتحرر دون إذابة هذا الحزب من خلال حله، ولذلك دفعوا من خلال حلفائهم من غلاة العلمانيين إلى رفع دعوى تطالب بتجميد نشاطه لسياسي ، وانه بخلاف جذوره الإسلامية فإن أحد الأسباب القوية في مناهضة هذه الجمعية لحزب العدالة هو انفتاحه على الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ، حيث يرفض أعضاء هذه الجمعية خضوع بلادهم للهيمنة الغربية الرأسمالية، كما يقاتلون للحفاظ على مبادئ أتاتورك التي يرون أن بقاء العدالة والتنمية في ظل اكتساحه للشارع التركي يشكل خطرا عليها . ويعتقد المحللون أن تصدى حكومة أردوجان للتنظيم أرجناكون ، أو الدولة السرية كما يطلق عليه أردوجان ، هو الذى قاد في النهاية الى إقامة الدعوى القضائية لإغلاق حزب العدالة والتنمية .