يلقي الباحث السويسري "فيكن شيتيريان" في كتابه "الحرب والسلام في القوقاز" الصادر عن جامعة كولومبيا الضوء على "النزاع الاتني والجيوسياسات الجديدة" في منطقة القوقاز. ينطلق المؤلف في تحليلاته من القول أن دول منطقة القوقاز عرفت طيلة الثمانية عشر عاما التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفييتي السابق، أي منذ أن نالت استقلالها، بأغلبيتها، حالة من الحروب شبه المستمرّة. ويقول كما نقلت عنه صحيفة "البيان" الإماراتية أن الأسباب الحقيقية لهذه الحروب توجد في "التاريخ المعقّد" لهذه المنطقة من العالم ولكن التي عرفت حالة من الاستقرار "القسري" في ظل النظام السوفييتي. وما أن أطيح بهذا النظام وتحلل الاتحاد السوفييتي حتى عاد "التاريخ المخبوء" إلى الظهور على هيئة مجابهات عرفتها مناطق عديدة وحيث كانت البؤر الأكثر اشتعالا هي كاراباخ العليا والمنطقة الشيشانية وابجازيا واوسيتيا الجنوبية. إن المؤلف يبحث في مسألة الحرب والسلام في القوقاز من خلال ثمانية فصول هي: نهاية الاتحاد السوفييتي وصعود المشاعر القومية، النزاعات التاريخية في القوقاز وأصولها الفكرية، النزاع على كاراباخ، جيورجيا من التحرر الوطني إلى بناء الدولة، حرب القوقاز الثانية، مصادر النزاع، فشل الدبلوماسية وأخيرا البترول وخطوط البيبلاين والجيوسياسات الجديدة. ويشير المؤلف إلى ظاهرة مزدوجة رافقت انهيار الاتحاد السوفييتي وتتمثل في سقوط الدولة السوفييتية، وبناء دول أخرى، هي دول القوقاز وعموم آسيا الوسطى. وعلى مثل هذه الخلفية برزت مفاهيم عديدة من جديد تتعلق ب "القومية" و"النزعات الانفصالية" و"الحدود الوطنية" و"الدولة المستقلّة". وهذه المفاهيم كلها أخذت دلالات متنوعة. بكل الأحوال يعتبر المؤلف أن "انهيار الاتحاد السوفييتي" يشكل "عاملا مركزيا" في نشوب النزاعات بمنطقة القوقاز، ومثل هذه الحقيقة تتجاهلها الدراسات عامة، كما يشير المؤلف أيضا. ويطلق المؤلف على الحرب الشيشانية التي شرعت فيها روسيا عام 1994 تسمية "الحرب القوقازية الثانية"، ويشير إلى النتائج المأساوية التي أدت إليها على المستوى الإنساني والتي أعقبتها حالة من الفوضى استمرت ثلاث سنوات كاملة إلى أن قرر فلاديمير بوتين سحق ما أسماه بالتمرّد الشيشاني ب"حملة ثانية"، بل وجعل من تلك المسألة الموضوع الأساسي للحملة الانتخابية التي أوصلته إلى سدّة الرئاسة. الكتاب يشرح أشكال الاضطراب والتوتر والنزاعات في منطقة القوقاز التي يشكل "البترول" أحد الرهانات الإستراتيجية فيها.