للمرة الأولى تعرب مسرحية "أوديب ملكاً" للشاعر الإغريقي الكبير، سوفوكليس، عن اليونانية مباشرة، من دون اللجوء الى لغة وسيطة أخرى كما كان عليه الحال، في العقود الماضية. تحولت هذه المسرحية إلى أسطورة نابضة بالحياة والدلالات والرموز، لا تزال الأكثر شهرة، على الإطلاق، في الآداب العالمية قاطبة. فهي تجسد فكرة القدر الذي لا فكاك منه ولا سبيل إلى التملص من أحكامه. أوديب الذي أنقذ مدينته من وحش مرعب، تختاره النبوءة الأسطورية لحمله على ارتكاب آثام عظيمة فيقتل أباه ويتزوج أمه. إنها اللعنة التي حلت عليه جاعلة منه نموذجاً بالغ الدلالة على قسوة المصير الذي يتربص بالإنسان، بشكل عام. وقد ظلت هذه الأسطورة التي ابتدعها سوفوكليس في القرن الخامس قبل الميلاد، ذات تأثير حيوي وعميق على المسرح العربي المعاصر، أسوة بمثيله الغربي. ومن بين الرواد الذين اقتبسوا هذه الفكرة واستثمروها في معالجتهم الأدبية، توفيق الحكيم، في مسرحيته الشهيرة "الملك أوديب". تقول مترجمة الكتاب، منيرة كروان، في المقدمة التي وضعتها للكتاب كما نقلت عنها صحيفة "المستقبل" اللبنانية أن هذه المسرحية، بشكل خاص، تنطوي على واحد من أهم المصادر التي ألهمت الشعراء والكتاب في أوروبا والعالم العربي، تحديداً في العصر الحديث. ففي فرنسا وحدها، انبرى تسعة وعشرون روائياً وشاعراً على اقتباس فكرتها وتقنياتها الفنية، وذلك في الفترة الطويلة الممتدة بين 1614 و1939. من بين هؤلاء: كورنيه، فولتير، أندريه جيد، كوكتو وآخرون. والأرجح أن التوظيف الأمثل لهذه الأسطورة في قراءة القلق الإنساني العميق والتصدعات السايكولوجية، جاء على يد الطبيب النفسي الأشهر، سيجموند فرويد، الذي أوجد لها مكاناً راسخاً في مكتشفاته الهامة حول نظرية الغريزة في الذات الإنسانية. والأرجح أن فرويد، بهذا الاستخدام الذكي لأسباب نشوء هذه الأسطورة في الفكر الإغريقي ومن ثم تطور دلالاتها، ساهم، على نحو مؤكد، في إضفاء أبعاد معاصرة، حديثة وحقيقية، على طبيعة هذه الخرافة، من جهة، وتأصل الأسطورة، عموماً، في لا وعي الإنسانية جمعاء، كما يقول أحد تلامذته، يونج. وتشير المترجمة الى أن العنوان الأساس لهذه المسرحية، وفقاً للشاعر سوفوكليس، كان "أوديب" فقط. أما كلمة "ملك" إنما جاءت إضافة في العصور المتعاقبة، تمييزاً لمسرحية أخرى لسوفوكليس بعنوان "أوديب في كولونوس". تدور أحداث المسرحية في مدينة طيبة. كان الملك "لايوس" ملكا لطيبة وقد تزوج ولم ينجب، فذهب لمعبد دلفى "معبد يونانى يستطلعون منه النبوءات" ليعرف حلا لمشكلته فجاءت إليه العرافة بنبوءة أنه سينجب ولدا سوف يقتل أباه ويتزوج من أمه، فانزعج لايوس لهذه النبوءة ورحل لمنزله وهجر امرأته حتى لا ينجب ثم مرة بفعل كونه مخمورا حملت زوجته فانزعج لخوفه من النبوءة وانتظر حتى تمت ولادتها وأعطى الطفل لحارسه لكى يقتله، ثم ذهب به الحارس إلى الجبل وهو مقيد بالأغلال من قدميه "وهذا يفسر سر تسميته بأوديب التى معناها باليونانية القديمة المصفد بالاغلال أو الأرجل المتورمه" وبدلا من أن يلقيه في الجبل ليموت تركه لراعى قابله في هذا الجبل. ولقد أشفق الراعى على الطفل وأخذه لملك وملكة كورنثة فهما لاينجبان وأعطاهم أياه، وأعتقد لايوس بأنه قد تخلص من ابنه ومن النبوءة. وتربى الطفل مع الملك والملكة وهو معتقد بأنهم أبواه حتى شب وأصبح يافعا، وظل لجرح قدميه علامة من الأصفاد التى سلسل فيها وليدا. وذات يوم كان مع أصحابه فشككوه أنه ليس ابن ملك كورنتس والملكة فانزعج أوديب ورحل هو الآخر لاستطلاع الأمر. خرج فجاءت إليه النبوءة "ستقتل أباك وتتزوج من أمك"، فبهت أوديب ورحل عن بلده وترك أبواه الملك وأمه الملكة الذين لايعرف غيرهم أبا وأما حتى ينجو من أن يقتل أباه ويتزوج أمه، ورحل إلى طيبة. وقبل دخوله طيبة كانت تسكن الطريق هولة متوحشة تسأل سؤال غامضا وتقتل من يعجز عن الجواب وتشيع في الأرض الخراب، وعندما أتى سألته سؤال من الذى يمشى في الصباح على أربع وفي الظهر على أثنان وفى المساء على ثلاث؟ وكان جواب أوديب أنه الإنسان، في البداية طفلا يحبو ثم شابا يافعا على قدميه ثم يهرم فيمشى على عصا بجانب قدميه. انهارت الهولة لمعرفته حل اللغز الرهيب، وألقت بنفسها وماتت، وفرح الشعب لرحيلها وتخلصهم منها، وجاء الخبر بموت مليكهم في طريق ذى ثلاث شعب فأخذوا أوديب ونصبوه ملكا عليهم وزوجوه من أرملة الملك السابق. وبعدما تولى أوديب حكم طيبة أنجب منها 4 أولاد ولدين وبنتين، وبعد مضى سنوات من اعتلائه العرش حدث طاعون أصاب الحرث والنسل وامتلأت الأرض بالجثث وسادت الفوضى والدمار فبعث أوديب بكريون أخو زوجته لاستطلاع نبوءة دلفى بخصوص هذا الطاعون فأى وباء ينتج من خطأ ما تجاه الآلهة، وعاد كريون ليبلغ أوديب أن سبب الطاعون وجود قاتل الملك لايوس بالمدينة، فأخذ أوديب يوعد ويتهدد ويصب لعناته على هذا القاتل حتى لو كان يسكن بيته ووعد أهل المدينة باستقصاء خبر قاتل الملك ليضع حدا لهذا الطاعون القاتل، واقترح عليه علية القوم أن يأتوا بعراف أعمى اسمه ترسياس ليكشف لهم من هو قاتل الملك. وبالفعل أتى وأخذ يناقشه أوديب ويسأله ليعرف ولكن العراف يتهرب بلباقة وذكاء ولكنه نصحه ألا يصب لعناته على القاتل فاتهمه أوديب بالجهل وما كان إلا أن قال له أنه أعمى فرد العراف أنه أعمى البصر وليس أعمى البصيرة. وتمضي الأحداث ويعرف أوديب أنه قتل أباه جاهلا وتزوج من أمه بل وأنجب منها وانهار تماما، وذهب لاستطلاع أمر زوجته أو أمه فوجدها انتحرت، وأخذ يفقأ عيناه حتى لا يرى شقاءه وجرائمه ثم يحدث عينه قائلا: "ستظلان في الظلمة فلا تريان من كان يجب ألا ترياه، ولا تعرفان من لا أريد أن أعرف بعد اليوم، حتى لا ترى الشمس إنسانا دنسا فعل أكثر الجرائم بشاعة"، وفي موقف مؤثر سالت الدماء على لحيته البيضاء وبللت وجهه وهو يلعن سوء حظه وجهله القاتل ونفى نفسه من الأرض حتى ينتهى الوباء، وعاش طريدا من الأرض والسماء.