أحب الموهوبين وأشعر بضعف تجاههم، هم أحبائي وكما تعرف أن حبيبك يبلع لك الزلط، غير إني فشلت في أن أبلع الزلط الذي ألقاه عمر الشريف في وجه الناس في مهرجان الاسكندرية وذلك عندما قال ما معناه إن الجمهور في مصر جاهل ولذلك هو عاجز عن فهم الأفلام ذات المستوي الرفيع، كما أبدي اندهاشه وربما سخطه لأن المصريين كانوا معجبين بإسماعيل يس الذي لا يعترف به ممثلا، جاءت أقواله هذه وربما زلطاته في مجال الحديث عن فيلمه المسافر الذي لم يشاهده الناس بعد في القاهرة بالرغم من مرور الفيلم علي مهرجانات العالم كما عرفنا من المخرج عمر الشريف إذن يستبق الأحداث ويتنبأ بما سيحدث لفيلم المسافر عند عرضه في القاهرة، لن يفهمه أحد لأن الناس جهلة، هذا هو ما يحاول إقناعنا به، وهي نظرية في الفن قديمة للغاية يعرفها جيدا كل المسجلين خطر في حقلي السينما والمسرح، ومؤدي هذه النظرية هو.. الأعمال تفشل ليست لأنها رديئة بل لأن الناس رديئة. وأنا أقول للشبان في المسرح والسينما، عظمة الدراما تكمن في أنها مفهومة بذاتها، وليس الهدف منها أن تضيف إلي معارف المتفرج شيئا جديدا، لأن قاعة المسرح والسينما ليستا قاعة محاضرات، هي مفهومة بذاتها عند الكائن البشري الحي، تماما مثل الحب والكراهية، وكاتب الدراما لا يقوم بتعليم الناس شيئا جديدا علي ما عرفوه من قبل بل هو يضعهم في حالة " تمسرح" وذلك بأن يستولي علي قلوبهم وعقولهم بأدواته الإبداعية.. والجمهور، أي جمهور بمستواه العقلي أو الثقافي هو نفسه الجمهور في كل العصور،مستوي الثقافة عند المتفرج تجعل درجة استمتاعه بالعمل أفضل غير أنها لا تصنع هذا الاستمتاع، لا شيء غامضا في العمل الدرامي، وما ليس واضحا فهو ليس فنا من الأصل، سأعطيك أمثلة، أنت الآن أو منذ قرون تجلس في قاعة المسرح لتشاهد مسرحية اسمها هاملت تأليف واحد اسمه شيكسبير، أنت تري شبحا وتعرف أن هذا شبح والد هاملت وهو الشاب الذي تراه أمامك، وتري هاملت وهو يستمع للشبح الذي يخبره أنه مات مقتولا، وأن قاتله هو أخوه عم هاملت وأنه تزوج من أرملته، أم هاملت.. ثم يطلب من هاملت في نهاية اللقاء أن ينتقم له. هل تعتقد أنه يوجد متفرج علي وجه الأرض وفي أي عصر عاجز عن الإلمام بهذه المعطيات الأولية التي ستساعده علي متابعة أحداث المسرحية؟ لنبتعد أكثر ونوغل في التاريخ القديم، تعال نذهب إلي بلاد الإغريق قبل الميلاد بعدة مئات من السنين، أنت تجلس الآن في قاعة المسرح، تعرف مما تراه وتسمعه أن هناك نبوءة بأن أوديب الطفل الذي ولد لأحد الملوك يحتم عليه قدره أن يقتل أباه وأن يتزوج من أمه، طبعا حضرتك ستسألني يعني إيه نبوءة؟ ولكن المتفرج في ذلك العصر البعيد كان يعيش في جو تملأه النبوءات وصراعات الآلهة مع بعضها البعض، وحتي الآن ستجد من يؤمن بقوة بأن كله مكتوب علي الجبين، وأن ما هو مكتوب علي الجبين لابد أن تراه العين. هكذا ستتابع أوديب الذي تربي بعيدا عن أسرته لكي يتفادوا أحداث النبوءة، غير أنك ستبدأ بالشعور بالفزع عندما يقتل أوديب أباه في خناقة بلهاء تحدث بسبب رغبة كل منهما في المرور قبل الآخر عند تقاطع الطريق، وهو بالضبط ما تقرأه هذه الأيام في صفحة الحوادث. لا داعي للدفاع بشكل خاطئ عن فيلم لم يعرض بعد، لا داعي لاتهام المصريين بالجهل لأنهم يحبون اسماعيل يس، لأننا أيضا نحب عمر الشريف.