القاهرة: في ذكري النكبة، عقد مركز بحوث الشرق الأوسط بجامعة عين شمس، برئاسة الدكتور جمال شقرة أستاذ ورئيس قسم التاريخ بكلية التربية، مائدة مستديرة لمناقشة كتاب " الدولة اليهودية " لتيودور هرتسل، بهدف إعادة قراءة الكتاب الذي استلهمته القيادات الصهيونية، وطبقت ما جاء به، ونجحت في تأسيس دولة من عدم، وتقييم ما كتب وما وقع من وقائع بين الحين والآخر في ضوء استشراف المستقبل، والمساهمة في تغييره، لنجد لنا " كأمة عربية" مكانا في الألفية الثالثة. وقال الدكتور جمال شقرة وفقاً لجريدة "الوفد": "بلور هرتسل في كتابه كل الأفكار السابقة عليه عن الصهيونية، وحلم اليهود في إقامة وطن قومي، وحدد أيضا أهداف ووسائل بناء هذا الوطن، وكيفية نقل الحلم إلي أرض الواقع، ثم نجح في عقد المؤتمر الصهيوني الأول في مدينة بال بسويسرا وكان هرتسل مجرد مخطط ومفجر لطاقات اليهود". وقال الدكتور جمال شقرة: أزعم ان النخبة العربية المثقفة آنذاك لم تقرأ الكتاب قراءة جيدة، ولو حدث وقرأت، وكانت الجسور موصلة بينها، وبين صانعي القرار، ربما تجنبنا النكبة والنكبات التالية، أو علي الأقل ردود الفعل العربية، ونجحنا في الحفاظ علي " حكومة عموم فلسطين" التي وئدت يوم أعلن عنها. وكانت فكرتها واضحة للغاية، هم أعلنوا دولة لليهود، ونعلن نحن عن دولة لأصحاب الأرض الفلسطينية دولة مقابل دولة، لكن جهل النخبة بجوهر كتاب هرتسل، وخطط الصهاينة من ناحية، وانقطاع الجسور بينهم وبين صانعي القرارات من ناحية أخري، والصراع السياسي بين العرب من ناحية ثالثة، أضاع الجيوش، وأسقط حكومة عموم فلسطين. وقال الدكتور عادل غنيم أستاذ التاريخ بكلية الآداب جامعة عين شمس وصاحب الدراسة النقدية للكتاب حسبما ذكرت "الوفد": تأتي أهمية الكتاب أولاً: أنه أوجد لليهود دليلا للعمل فقد حدد المشكلات وحدد الاستراتيجية وهي إقامة وطن لليهود ولم يحدد فلسطين صراحة كمكان لهذا الوطن بل قال فلسطين أو الأرجنتين، وقد وجه الصهاينة اللوم لأنه لم يحدد فلسطين بشكل خاص. وثانياً: أن الكتاب نقل المسألة اليهودية من قضية محلية تخص اليهود في الوطن الذي يعيشون فيه سواء أكان روسيا أو ألمانيا أو غيرهما إلي قضية سياسية عالمية، فقد حاول تحريرهم من الجيتو وجعلهم شعباً ولن يكونوا كذلك وحول إقامة دولة لهم ولم يكن لهم دولة. وهناك عدد من الملاحظات يمكن استشفافها من قراءة هذا الكتاب المهم: أن دعوة هرتسل اليهود إلي إقامة الوطن بطريقة هادئة دون إثارة لمن حوله وظل هذا التوجه مقبولاً لدي القيادات الصهيونية حتي عام 1942 حين أعلن بن جوريون قرارات الدولة. ولم تعلن الجماعات الصهيونية عن إقامة دولة إلا بعد أن أقيم الوطن القومي اليهودي وكانت إقامته بعد الحرب العالمية الثانية وجاءت الثورة العربية 1936- 1939 واقترح موضوع التقسيم عام 1937 لكن الثورة الفلسطينية أخرت مشروع التقسيم عشر سنوات من 1937 حتي 1947. وركز هرتسل علي أهمية احتلال العرب وإقامة المستوطنات وهذه هي القضية الرئيسية وطالب الجماعات اليهودية بالتركيز علي الأرض لأن عليها يقام الوطن. ولم يجد هرتسل غضاضة في الاعتراف بالدولة اليهودية المنتظرة كرأس حربة لأوروبا نظير ضمان أوروبا لوجود الدولة اليهودية. واعتبر هرتسل بحسب "الوفد" أن نجاح الحركة الصهيونية يتمثل في تحديد أهدافها بوسائل عديدة منها عقد المؤتمرات وإنشاء المستوطنات والشركات والبنوك والقوات العسكرية وإقامة جامعات صهيونية، وتم وضع حجر الأساس للجامعة العبرية في القدس في أول زيارة لحاييم وايزمان في يوليو 1918. وإذا كان هرتسل يفتقر الي الحق والعدل في إقامة دولته وألف هذا الكتاب من أجل إنشاء دولة لا وجود لها فهل تعجز الأمة العربية بما فيها من مفكرين ومبدعين عن إخراج كتاب يحدثنا عن الدولة العربية المرتقبة وكيفية مواجهة المخططات الصهيونية. وفي الرد علي هذا التساؤل علقت الدكتورة مني أبوسنة قائلة: إن النسق الذهني العربي مختلف لأسباب سياسية وثقافية، فاضطهاد اليهود دفعهم لتكوين هذه الرؤية المستقبلية واعتبارها العقيدة التي تدفعهم تجاه تحقيق هذه الرؤية والعرب باعتبارهم أغلبية يمتلكون الحقيقة المطلقة فهم في غني عن أن تكون لهم رؤية مستقبلية. بينما يري الدكتور مراد وهبة أن الرؤية العربية هي رؤية برجماتية أصولية مضادة للمسار الحضاري وأن ما يحدث في لبنان وغزة الآن يعني أن الغلبة للتيار البرجماتي الأصولي المضاد لمسار الحضارة الإنسانية وفي هذا الإطار أضيف أنه في عام 2000 أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي باراك رغبته في تحقيق ثورة علمانية وأعلن انزعاجه من التيار الأصولي في الدولة الفلسطينية، ونحن العرب نغتال أي محاولة للعلمانية ونكفر كل من هو قادر علي تأسيس مجتمع علماني ومن هنا فإن الصراع في العالم العربي غير متكافئ وهناك تياران أحدهما يسير في مسار الحضارة والآخر معارض لمسار الحضارة الإنسانية. وفي تحليله للكتاب قدم مراد وهبة حسبما جاء ب "الوفد" طرحاً حول مدي انعكاسات هذا الكتاب علي الصراع العربي الإسرائيلي، وقال في التأريخ: يفضل البحث عن الرؤية المستقبلية لأي نظام يطلب تحريره من الأنظمة القديمة، فلابد لنا أن نحاول البحث عن الرؤية المستقبلية لأننا لا نستطيع تغيير الواقع إلا إذا ملكنا الرؤية المستقبلية وهي لا تتكون إلا من خلال أزمة نحاول تجاوزها. والأمة هنا تتمثل في العداء للسامية. وفي الرد من جانب العرب نحن لا نستطيع تقديم رؤي مستقبلية لتطبق في الواقع إلا إذا كانت واقعية فلا يوتوبيا ولا أحلام ولابد أن تكون الرؤية عقلانية. ويعتبر العداء لليهود أزمة من مخلفات العصور الوسطي البرجماتية تتوهم الحقيقة المطلقة وهي ضد العلمانية. وأضافت الدكتورة مني أبوسنة: إن اليهود لديهم عقدة بتذكير العالم بالاضطهاد المحرقي حتي لا يظهر هتلر آخر مسلحاً بالبترول وأموال البترول. فالوضع القائم الآن للرؤية الدينية كالآتي: 50% علمانية، و50% أصولية. أما علي الجانب الفلسطيني 100% أصولية إسلامية فمسألة الصراع هنا هي صراع وجود أيهما يفني الآخر.