غلاف الكتاب محيط - سميرة سليمان "لماذا لم يخبرني؟" قصة روت فيها الزوجة غضبها من زوجها المثقف التي أصبحت الهوة تتباعد بينهما بسبب اهتمامه بالثقافة ومؤلفاته التي أصبحت تستحوذ على كل وقته فنراها تقول: "...التقطت يدها أولى مؤلفاته.. عادت تحدث نفسها هذا أول كتاب صدر له .. لماذا أخفى سره عني؟ لماذا لم يخبرني من البداية أن له هذه الموهبة؟.. ربما كنت قد غيرت رأيي..!! ربما كنت رفضته .. مالي انا والقراءة .. ما لي أنا والكتابة، أنا التي لم أمر يوما على بائع الجرائد لأشتري الجريدة، انا التي لم أقتن كتابا بعيدا عن مقررات الدراسة اجد نفسي في أحضان رجلا يتنفس قراءة ويعشق الكتابة .. ويحدثني بلغة لا أفهمها!. حتى محادثته مع أصدقائه مباشرة او عبر الهاتف لا أفهم معظمها .. كلمات مختلفة، وعبارات رنانة، وأسماء لامعة...وقضايا مثيرة". إنها بعض الكلمات التي جاءت في المجموعة القصصية "الولد العاشق" للمؤلف زكريا صبح والصادرة مؤخرا عن الدار للنشر والتوزيع. وفي ندوة قاهرية لمناقشة المجموعة عقدت مؤخرا ، أوضح أ. د هاني السيسي أستاذ اللغة العربية بجامعة أذربيجان في بداية حديثه أن عنوان المجموعة يبدو عنوانا شعريا فلفظ الولد قرأناه في أشعار شعراء المهجر مثل ايليا أبو ماضي الذي قال: انا ذلك الولد الذي دنياه كانت هنا ونجده أيضا في شعر نزار حين قال: أيا أمي أنا الولد الذي أبحر ولا زالت بخاطره تعيش عروسة السكر "الولد العاشق" تركيب وصفي أجده تركيبا شعريا مناسبا لهذه المجموعة القصصية التي تدور حول فكرة العشق وهي فكرة صوفية بها رحابة ارتبطت بحب الرسول صلى الله عليه وسلم والحب الإلهي. وفي المجموعة نجد الشخصيات تغلب عليها الواقعية، وغالبا ما تكون من الطبقة المنسحقة لأنها بلا ملامح وبلا أسماء وفي هذا دلالة. ومن خلال عناوين القصص نجد - وفقا للسيسي- الأنا المنسحقة متمثلة في قصص مثل "بائع البطاطين"، "لا ظل إلا ظلها"، "الولد العاشق"، "امرأة وعملاق"، وغيرها من القصص ، ونجد المجموعة يسيطر عليها تيمات رئيسية مثل القهر، التهميش، الغياب، الفقر، والموت . واستكمالا للعنوان الشعري، لغة الكاتب أيضا شعرية فيها كثير من التراكيب ومواطن الصياغة فهي تميل إلى العذوبة والخيال والبساطة والسلاسة، حيث نجد في قصة "رائحة الجدران" الزوجة التي تدفع ثمن غربتها مع زوجها وبعدها عن الأهل حين يتوفى زوجها ولا تجد من يدفنه معها تقول: ".....الآن الوضع جد خطير ، النافذة مفتوحة لم يدخل منها سوى صدى الصوت ، وضوء القمر الناعم ، وبعض نسائم صيفية ، قالتها ثانية: أدفع ثمن الغربة الآن وحدي أدفع ثمن الغربة!". ولكن في النهاية يفتح المؤلف نافذة الأمل لنرى من خلالها الزوجة حين تقول: "..ثم همت تغلق نافذتها وتبقى وحدها مع جثمان الزوج المتوفى ، لكنها لمحت – على امتداد البصر – أحدا يتقدم نحو البيت ، فركت عينيها تتأكد وعندما تأكدت أن الآتي إنسان، ندت عنها ابتسامة فرح ، لأنها أخيرا وجدت من يحمل معها الجثمان إلى مثواه الأخير". وكما أوضح د.هاني السيسي فنجد في المجموعة ألوان من التناص ففي قصة "لا ظل إلا ظلها" يقول صبح: "تعلقت عيناي بواجهة العمارة فرأيتهما يطلان بوجهين نظيفين طازجين لم يمسسهما سوء " أيضا نجد تناص مع القرآن الكريم حين قال في قصة "ماتبقى لي من شرف".."أنقذيني، أنقذيني، أدركيني، أدركيني، احتويني، احتويني". هناك أيضا التلوين بين الضمائر وذلك بحسب ما تمليه طبيعة القصة، بالإضافة إلي أن مساحات الحوار محدودة إذا قيست بمساحات السرد. ويغلب علي القصص النهايات المفتوحة، أو النهاية الحرة التي تفتح قضية ولا تحسمها. ويتسلم دفة الحديث د.شريف الجيار حيث يقول عن المجموعة: منذ أن تعرفت على زكريا صبح وأنا أشعر انه يتعامل مع الحياة بذات تشعر بالموت والتمرد علي الواقع المعيش، والمجموعة تحتوي على 20 قصة تمثل 20 خطابا سرديا، وزكريا دائما مهموم بشكل شبه دائم بالطبقات البسيطة والمعطلة، تلك الطبقات التي تمثل حلقة ضمن حلقات المجتمع المصري. فنجد أنه في مجموعته يصدر قرارا بأن الفقر لا يقف عند المشتري ولكن نجده أيضا عند البائع كما في قصة "بائع البطاطين" حين قال: " نعم أنا الآخر عندي 3 بنات ينمن الآن مع أمهن ..في بيت كهذا البيت تماما.. وامرأتي مثلك .. ويرتجفن من شدة البرد .. وقد استعطفتني امرأتي أن أبتاع لهن بطانية ... ولكن سيدي الذي أعمل لديه بائعا رفض، لا لشئ إلا لأنه لا يعرف كيف أسدد هذا الدين!! تعرفين أيتها المرأة، إنني أصبحت أخاف العودة إلي منزلي، إنني أموت كل يوم عند عودتي .. عندما أرى بناتي وزوجتي يرتجفن من شدة البرد". هناك رافد آخر هو الرافد الإنساني، زكريا مهموم بالعلاقات الإنسانية هناك دائما صدام بين المادة والإنسان وهنا سؤال يطرح نفسه من الفائز؟ العقل ام العواطف؟ أم سيفوزان معا؟ أم سيخسران القضية معا؟ الأسرة المصرية تشعر الآن بالخطر ونجد ذلك متمثلا ففي قصة قصة "بين شقي الرحى" فهي تحكي عن زوج يريد أن يطلق زوجته ويرغب في ذلك بشدة ولكنه يخاف أن تهتز صورته أمام اولاده فنجده يقول: ".."هو بين شقي الرحي الزوجة المزعجة التي يتمنى الإنفصال عنها وصورته أمام اولاده التي سوف تهتز بشدة إن هو فعل. سوف تقوم زوجته بالواجب التي احترفته في الآونة الأخيرة، إنها لا تترك شاردة أو واردة من النقائض إلا ألصقتها به امام الأولاد، فيقرأ في عيون أبنائه الخوف والقلق منه..ويظل الرجل على حاله. لكن ترى هل يظل تحت رحمة خوفه من الفضيحة إن هو تزوج أو تحت رحمة القهر إن هو طلق أو تحت رحمة الشفقة علي أبنائه إن هو استمر؟". ويضيف الجيار: الرجل يسبح في عالم من المادة وعليه ألا ينسى زوجته واولاده لأن الإنسان من الممكن أن يحيا في هذه الحياة بالموت نفسه. ويشير د.الجيار إلى ان هناك أيضا أبعاد سياسية في بعض القصص مثل قصة "امراءة وعملاقا" حيث تروي القصة أن رجلا عملاقا صفع امرأة علي خدها. يقول زكريا في بداية القصة: "الصفعة التي تلقاها الخد الأيمن للمراة سقطت عليها كالصاعقة، ترنحت ثم سقطت كأنها سقطت من فوق سطح بيتها المبني بالطوب اللبن، أصابها العمى، رأت الدنيا سوداء لبضع ثوان وتعطلت أذناها عن السمع نفس المدة". ويصف موقف العملاق قائلا: "العملاق الذي صفعها ما زال واقفا لم يتحرك، لم يهتز له رمش، لم يضطرب له نَفَس، لم ترتبك دقات قلبه..ولا ارتعشت أطراف يده اليمنى التي صفع بها المرأة منذ قليل". ويتضح الأمر لنعرف ان هذه الصفعة جاءت حينما طالبت المرأة بحقها وحق اولادها في أرض أبيهم وفي نهاية القصة يقول صبح: "أغلق عليهن باب الدار..وبعود ثقاب ألقاه فوق السطح..اشتعلت الدار نارا...وهن يصرخن بالداخل وهو يوليهم ظهره ويمضي.والناس خلف الأبواب كانوا يتاكدون انها محكمة الغلق"!. إنها قصة الصراع الاسرائيلي حيث شبه زكريا العالم العربي بأنه امرأة صفعت. ويروي الجيار بعض دلاللات الكلمات بداخل القصص قائلا: في قصة "بائع البطاطين" يقول "قبل المغيب في نهار الشتاء الماكر، اختفت الشمس تماما خلف السحب في غير موعدها..فتلونت الدنيا بلون الرماد وكانت الرياح العاصفة قد سكنت الشوارع منذ الصباح، فأجبرت البشر على الإنزواء خلف الجدران والأبواب، صوته الآتي من الماضي كان قويا..حملته الرياح وتسللت به عبر عتبات الأبواب..وخصائص الشبابيك" هذا المناخ الذي يحمل الضبابية بدأ به صبح ليقول أننا في عالم ضبابي لا نرى فيه شيئا. ويعيب د.شريف الجيار علي زكريا صبح أنه يتعامل في كل قصصه علي كلمة "مفتاح" ففي قصته "بائع البطاطين" نرى جمل مثل: "أيتها المرأة" التي كررها كثيرا وهو الأمر الذي من الممكن أن يشعر المتلقي بالملل.