باريس: صدر مؤخرا للنمر الأفريقي وول سوينكا الكاتب النيجيري الكبير الترجمة الفرنسية للجزء الثالث من السيرة الذاتية الذي كان صدر بالإنجليزية العام الماضي في نيويورك بعنوان "يجب أن ترحل في الفجر" (ترجمة إيتان غال – دار أكت سود). وقد توٌِجت أعماله بجائزة نوبل للأدب عام 1986 لامتلاكه "مخزونا منتجا من الكلمات والتعبيرات التي يسخرها كاملة في حواره الذكي بالهجاء والجروتسك، في شاعرية هادئة ومقالاته ذات الحيوية المتدفقة". في مطلع الثمانينات من القرن الماضي بدأ سوينكا كتابة سيرته الذاتية، وصدر أول جزء منها عام 1984 وعنوانه "أكي، سنوات الطفولة"، ثم تبعه جزء ثان عام 1987 هو "إيبادان، سنوات الاضطراب". في هذين الجزءين سرد سوينكا ذكريات الطفولة والمراهقة، وكتب سيرة قريته وقبيلة "يوربا" التي ينتمي إليها، وحياة عائلته التي غاب عنها الوالدان باكراً وعلاقته ب "أوغون" إله الحرب الذي تعتقد به القبيلة وقد رافقه طويلاً. تتيح لنا سيرته بجزئها الثالث - وفق د. عبده وازن بجريدة "الحياة" اللندنية - أن نتعرف جيدا علي وول سوينكا، نتعرف إلي حياته الصاخبة والى وجوهه المتعددة والى تجربته الرهيبة، سياسياً وحياتياً وأدبياً. يبدأ سوينكا سيرته باللحظة التاريخية الحديثة عندما يعلن ثاني أباشا، الديكتاتور النيجيري انقلابه على السلطة في السابع عشر من نوفمبر عام 1993. هذا الانقلاب كان حافز للهرب سراً الى الولاياتالمتحدة بعد سنة، حيث عاش في ما يشبه "المنفى" طوال أربعة أعوام. أما التجربة الأليمة التي خاضها أيضاً فهي تجربة السجن. هذه التجربة تمثل أشد المراحل عذاباً ومعاناة في حياته. في عام 1965 أدخل السجن تبعاً لاعتراضه على نتائج الانتخابات حينذاك وما أحاطها من تزوير. وفي عام 1967 أدخل السجن مرة ثانية ومكث فيه عامين وستة أشهر، والتهمة التي وُجهت اليه موقفه الرافض للحرب التي شنتها السلطة ضد مناضلي مقاطعة بيافرا في شرق نيجيريا. في فترة الاعتقال هذه كتب سوينكا رائعته "الرجل مات". ولعلّ أطرف الحكايات التي يسوقها حكاية فوزه بجائزة نوبل وكيف تلقى هذا النبأ في باريس حيث كان يقيم في شقة متواضعة لأحد أقاربه. ولئن منحته هذه الجائزة الشهرة العالمية التي يستحقها أصلاً، فهي كما يقول، لم تشفع به سياسياً لا سيما في بلاده التي ظل فيها مضطهداً وغير مرغوب فيه رسمياً حتى رحيل الديكتاتور أباشا. إلا أن السيرة لا تقتصر على نضال سوينكا السياسي وعلى المنفى والأسفار والسجن، بل هي تشمل مساره المسرحي والروائي الرائد. وقد كتب سوينكا نحو خمسة عشر نصاً مسرحياً، وكانت مسرحية "الطريق" أحد أبرز أعماله التأسيسية، ومن أعماله أيضاً "حصاد كونجي" التي نشرها عام 1967. وله مسرحيات مهمة مثل "مجانين ومتخصصون" التي كتبها بعد حرب "بيافرا" وخروجه من السجن، و"الموت وفارس الملك" وتعدّ من أشد أعماله نضجاً، وكذلك "سكان المستنقع" التي تتطرّق الى الفساد والاستغلال المتواريين خلف مظاهر التمدن والرقيّ. أيضا كتب سوينكا الشعر والرواية، وأشهر رواياته "المفسرون" التي تتناول هموم المثقف الأفريقي وما يعاني من أزمة في الهوية والكينونة، ومن المجموعات الشعرية المهمة التي أصدرها سوينكا "قصائد من السجن" وكان كتبها خلال فترة اعتقاله عام 1969. يقول سوينكا: "الأشد وطأة، أن تحمل معك أينما كنت، همّ وطن، همّاً أصبح مألوفاً...". وفي سيرته يرسم سوينكا "بورتريات" لأسماء بارزة مثل: برتراند راسل، بيار امانويل، نادين غورديمير، فرنسوا ميتران وسواهم. من قصيدة له بعنوان "الموسم" ترجمة سولارا الصباح نذكر: الصدأ يُنضجُ الصدأ. وأوراق الذرة الذابلة غبار الطلع, موسم اللقاح, حين تغزل السنونوات رقصة السهام المريّشة تطارد خيوط الذرة المجنّحة في شرائط الضوء. ونحن نعشق سماع العبارات المجدولة للريح نصغي لصرصرة الحقل حيث أوراق الذرة جارحة مثل شظايا الخيزران. جامعو الغلة – نحن- الآن, في انتظار للصدأ المتربص بصوامع الذرة الطويلة نرسم ظلالا من الغسق نطوي السقوف بإكليل من دخان القش والسوس يمتطي حزمات القصب وننتظر أن تصدق وعود الصدأ.