لا تزال رواية "مرتفعات وذرينج" التي كتبتها ايميلي برونتي في منتصف القرن التاسع عشر بين الروايات الأكثر قراءة لدى البريطانيين الذين استفتوا حول روايات الحب المفضلة، وبلغ عددهم ألفي بريطاني. بالنسبة الى القائمة فقد جاءت بحسب الترتيب الآتي - وفق جريدة "الحياة" اللندنية -: "مرتفعات ويذرينج" (1847) لإيميلي برونتي، "كبرياء وتحامل" (1813) لجين اوستن، "روميو وجولييت" (1597) لويليام شكسبير، "جين اير" (1847) لشارلوت برونتي، "ذهب مع الريح" (1936) لمارجريت ميتشيل، "المريض الإنجليزي" (1992) لمايكل اونداتجي، "ريبيكا" (1938) لدافني دو موريير. "دكتور جيفاجو" (1957) لبوريس باسترناك، "عشيق السيدة تشاترلي" (1928) لدي اتش لورنس. "بعيداً عن الزحمة الجنونية" (1876) لتوماس هاردي. يقول رئيس قناة "يو كي تي في دراما" التي أجرت الاستفتاء لحسابها كي تتأكد من ميول مشاهديها قبل ان تحول الروايات الى دراما: أثبتت نتائج الاستفتاء ان الرومانسية لا تزال مطلوبة وان 37 في المائة من النساء المستفتات تبحثن بين دفتي الكتاب عن رجل وسيم يحلق بها عالياً مثل مستر دارسي بطل "كبرياء وتحامل" ويفضلنه على مواصفات الرجل المعاصر. وان 40 في المائة منهن يقرأن روايات الحب كي يشعرن بحالة نفسية افضل و15 في المائة يقرأنها لأسباب نوستالجية كونهن قرأنها في فترة الصبا، بينما اعترفت 10 في المائة ان قراءة الروايات الرومانسية هو تعويض عن غياب الرومانسية في حياتهن. لكن من جهة أخرى فإن 16 في المائة اعترفن أنهن لم يقرأن في حياتهن روايات رومانسية. أثارت النتيجة ردود أفعال في الأوساط الإعلامية من متسائل عن سر تربع الروايات الكلاسيكية على قلوب البريطانيين، وما الذي تحمله من أسرار، ولماذا لا يزال البريطانيون يتماهون مع أبطالها ومواقفهم في لحظات الحب؟ ولكن التساؤل الأهم هو: الى أي مدى يمكن اعتبار"مرتفعات ويذرينج"، رواية حب فعلاً بينما هي تمور بالأسئلة الاجتماعية والأخلاقية؟ قصة الحب بين كاثرين وهيثكليف هي قلب رواية مرتفعات ويذرينج بالطبع، ولكن العلاقة تحمل مستويات أخرى أكثر تعقيداً وجدلاً. ان الرواية تقوم علي الصراع الطبقي وهاجس الانتقام الذي عشش في روح هيثكليف الفقير اليتيم الذي وجد نفسه طفلاً على هامش عائلة ميسورة مفتوناً بحب ابنتهم الجميلة إلى حين تسربها من بين يديه نحو ابن عائلة مساوية لعائلتها اجتماعياً. لن ينسى العاشق نظرات الاحتقار التي كان يوجهها شقيق كاثرين له ومن ثم زوجها. وستبقى الرغبة بالثأر تحوم في حياته ولن يتخلص من تلك المشاعر السلبية إلا بالموت. انها رواية عن الثراء والسلطة وعن الموت. بهذا المعنى هي "رواية مرعبة" على حد وصف أحد الاكاديميين التخصصين بفترة الأدب الفيكتوري الذي يعود الى القرن التاسع عشر ، وفق "الحياة". "مرتفعات ويذرينج غير قابلة للتحول الى فيلم"، وفق أكاديمي بريطاني ؛ لأن هذه الرواية موجودة فقط كقطعة أدبية منظومة بعناية، تسرد بأسلوب الحوار والفلاش باك. انها ليست رواية سردية كما هي رواية جين اوستن التي تصلح دوماً لأن تتحول الى دراما سينمائية وتلفزيونية. الكاتبة ايميلي برونتي، كانت امرأة قوية، وعرف عنها حسن التصرف بأموالها وأموال العائلة في سوق الأسهم، كذلك كانت تتابع الصفحات الاقتصادية بعناية في الصحف البريطانية لتقرأ عن ثورة وسائل النقل من خلال القطارات البخارية في ذلك الحين، وأوضاع السوق في شكل عام. وكانت قادرة على القراءة بالألمانية والفرنسية واعتادت ان ترتاد الأماسي الموسيقية والمعارض التشكيلية، وصفتها أختها شارلوت بأنها "أقوى من رجل وأبسط من طفل". ويعتبر الباحث مارتن كتل ان "مرتفعات ويذرينج" من اكثر الأعمال البريطانية خيالاً مبدعاً في الثقافة الإنجليزية، انه نسيج متداخل بين السرد والشعر يصل الى مستوى أعمال ميلتون وبليك وكونراد، ويجب ألا يختصر بخانة الرومانسية وان يقلل من شأن كاتبه بهذا المفهوم الضيق. ومن الرواية نذكر: "تقوم عزبة مرتفعات وذيرينج على مرتفع من الأرض حيث تطل على سهوب واسعة من كل جانب، لذا تهب رياح قوية بشكل دائم. فهنا في شمالي إنكلترا، تعني كلمة وذيرينج شديدة الرياح أو عاصفة. ويمكنك تقدير قوة الرياح الشمالية من انحناء صف الأشجار المنتصبة بالقرب من الدار باتجاه واحد. بنيت الدار على نحو يمكنها من مقاومة الرياح، فالبناء قوي، مربع الشكل، ذو نوافذ ضيقة عميقة. وقد مضى على بنائها ثلاثمائة سنة كما يدل على ذلك التاريخ المحفور على حجر فوق الباب الرئيسي إلى جانب اسم (هيرنون إرنشو). شغلت عائلة إرنشو هذه الدار طوال تلك الفترة. وقبل ثلاثين سنة، أي منذ بداية قصتي هذه، شغلها السيد إرنشو وزوجته مع ابنهما هندلي وابنتهما كاثرين. كان عمر هندلي آنذاك أربعة عشر عاماً وكاثرين ست سنوات. أما أنا فقد كنت أعيش معهم. اسمي إلين دين وكان عمري آنذاك مثل عمر هندلي. كانت مي تعمل عندهم خادمة، لذلك ترعرت بينهم أساعد في الأعمال المنزلية وفي الحقول أيضاً وألعب مع الأطفال. إلا أن هذه القصة ليست قصتي الشخصية، إنما قصة عائلة إرنشو التي كانت تسكن في عزبة مرتفعات وذرينج وعائلة لينتونز التي كانت تقطن في عزبة ثرشكروس جرانج بل إن معظم القصة يدور حول هيثكليف. لقد غير هيثكليف حياتنا منذ اللحظة التي وصل فيها إلى مرتفعات وذيرينج. فلن أنسى ما حييت المرة الأولى التي رأيته فيها. فقد سافر السيد إرنشو إلى ليفربول لقضاء بعض الأعمال. كانت ليفر بول تبعد مسافة ستين ميلاً. لقد ذهب إلى هناك ثم عاد بعد أن أمضى ثلاثة أيام بعيداً عن البيت. وصل منهكاً في وقت متأخر من مساء اليوم الثالث وهو يحمل على ذراعية معطفه. "أنظري هنا يا زوجتي" قال ذلك ضاحكاً وهو يرفع المعطف. كان هناك طفل قذر خشن المنظر أسود الشعر. ثم أردف قائلاً: عليك أن تقبليه منحة من الله على الرغم من سمرة بشرته، كما لو أنه مرسل من الشيطان". تجمعنا لنلقي نظرة على الطفل, بدا لنا أنه أكبر بقليل من كاثرين. حدق فينا ثم ردد بعض الكلمات الغريبة التي لم يتمكن أحد من فهمها. "هل أنت مجنون؟" صرخت السيدة إرنشو في وجه زوجها "كيف تجلب هذا المخلوق إلى الدار ونحن لنا أطفال علينا تربيتهم؟". "كيف أتركه يموت من الجوع؟ لقد وجدته في شوارع ليفربول وحيداً وبلا مأوى، ولا يعرف أحد شيئاً ما عن عائلته ولذلك جلبته معي إلى البيت".