أصبح اسم »سي السيد« يضرب به المثل كنوع من »التريقة«.. بعد أن استردت المرأة حقوقها وكرامتها.. وسي السيد هذا هو الرجل الصارم.. الأب الشرس.. والزوج الجهبذ الذي منع بناته من استكمال تعليمهن وهن لازلن صغيرات.. كما منعهن من فتح الشباك والطل علي الناس.. كما منع زوجته »الست أمينة« ا لمغلوبة علي أمرها من الخروج تماما حتي وإن زارت أولياء الله. إن »سي السيد« هو يحيي شاهين الممثل العملاق الذي أصبح بيته سجنا للحريم.. أما الصبيان فيخرجون ويدخلون البيت بحساب بعد أن يعرف الأب أصدقاءهم.. لكنه يظل يعاملهم كأطفال بعد أن كبروا.. وأصبح لهم فكر سياسي وانضموا بدون معرفته إلي أحد التنظيمات التي تناهض الاستعمار الانجليزي بطبع المنشورات ولصقها علي الحوائط وتوزيعها.. أما الوجه الآخر للسيد عبدالجواد فهو عكس ذلك تماما.. إنه حب السهر والمجون.. والضحك والفرفشة هو واصدقاؤه في العوامة التي تضم العوالم والغانيات.. بل إنه يمسك »بالرق« ويطبل.. يعني حاجة مسخرة. ❊ ❊ ❊ بدأ يحيي شاهين ممثلا في مسرح فاطمة رشدي حيث كان يقدم أدوار الكومبارس.. ثم الكومبارس المتكلم ثم الأدوار الصغيرة حتي أصبح أهم نجوم المسرح القومي عندما مثل دور »هيثكليف« المأخوذة عن رواية »مرتفعات وذرنج« للكاتبة الانجليزية اميلي برونتي. ❊ ❊ ❊ ولد يحيي شاهين من أم مجرية ومات والده وهو في الثالثة عشرة من عمره وعاني هو وأمه من الفقر والحرمان.. لكن الأم كانت شخصية قوية صلبة استطاعت أن تصل به إلي بر الأمان.. وتزوج من امرأة مجرية لم ينجب منها وانفصلا.. ثم تزوج من امرأة مصرية أنجبت له ابنته »داليا« وهو في عمر متقدم في السن.. وتوفي أيضا وهي لاتزال طفلة.. وهو نفس ماحدث للأب يحيي شاهين. ❊ ❊ ❊ زرت يحيي شاهين أكثر من مرة في بيته المطل علي النيل.. حيث المنظر من الشرفة شاعري وجميل. فإذا ابتعدنا عن شخصيات يحيي شاهين في السينما خاصة الدور الأهم » السيد عبدالجواد« فإننا نري رجلا جميلا.. جادا.. لكنه ليس خشنا.. يحترم نفسه بلا كبرياء.. كما يحترم معجبيه.. ولا ينسي لحظة أنه ممثل.. حدثني كثيرا عن حياته الفنية التي أحبها بكل كيانه وطاقاته وأدواره التي عاشها وتعايش معها. ❊ ❊ ❊ دعتنا مرة الناقدة خيرية البشلاوي إلي قريتها بالقرب من »بشلا« علي ماأذكر لتقيم حفلا متواضعا تدعو فيه أهل القرية والأصدقاء بمناسبة تشطيب فيلتها التي صممها لها الصديق الناقد أحمد الحضري الذي تخرج مهندسا. وعشت وصديقتي فاطمة سعيد رحمها الله يوما كاملا مع يحيي شاهين الذي صاحبنا هو وزوجته.. ورأينا رجلا مختلفا تماما عن »سي السيد«. في هذا اليوم توطدت صداقتنا.. فقد قام الرجل بتوصيلنا في عربته وأيضا في عودتنا.. وقد سافرنا مرة إلي الولاياتالمتحدة نجوما ونقادا في رحلة تحمل اسم »في حب مصر« وكانت المرة الأولي التي أشاهد فيها أمريكا.. كانت معه زوجته وابنته داليا.. واقتربنا منه أكثر وأمضينا أياما مع هذه المجموعة من الفنانين.. رأيت رجلا محترما طيبا جميلا.. حسن المعشر.. مهذب يحبه الجميع ويقدرونه.. أما زوجته فهي شخصية قوية مثقفة تجيد الانجليزية.. وهي التي تقوم بكل شيء كما تقوم باجراءات السفر. ❊ ❊ ❊ إن أحداث الثلاثية »بين القصرين« و »قصر الشوق« و»السكرية« تبدأ من ثورة 1919 وحتي وفاة سعد زغلول.. أما »قصر الشوق« فقد وقع السيد عبدالجواد في غرام الغانية لكنه رجل ذو كبرياء قوي الإرادة كبت عواطفه.. وفي »السكرية« حين تقدم به السن وأصبح مريضا عاجزا منهكا جريحا طريح الفراش.. إنه هو نفسه السيد عبدالجواد القوي في »بين القصرين« و »قصر الشوق« عاش المرح والفرفشة.. كما عاش الحزن الذي كسر قلبه حينما استشهد ابنه كمال الذي أحبه أكثر من كل أبنائه برصاص الانجليز في إحدي المظاهرات.. لقد اتسم أداؤه بالعمق والبساطة في هذه الثلاثية التي أصبحت من أهم كلاسيكيات السينما. رأيت »سي السيد« في عنفوانه وقوته المهيمنة علي أسرته حتي شيخوخته. وعاصرت الوجه الحقيقي ليحيي شاهين.. وشتان بين الوجهين.