أقدم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على أكبر مقامرة في تاريخه السياسي عندما قرر توجيه ضربات عسكرية مباشرة ضد إيران والانضمام إلى الحرب الإسرائيلية ضد إيران، متخلياً عن وعوده الانتخابية بعدم زج أمريكا في صراعات عالمية جديدة، وفقاً لما كشفته صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية. وتقوم إستراتيجية ترامب الأساسية على افتراض جريء مفاده أن إيران ووكلاءها في الشرق الأوسط قد أُضعفوا لدرجة تمكنه من تصوير تدخله العسكري كعملية محدودة وناجحة، كما يراهن على أن طهران المرعوبة ستسعى بسرعة للتوصل إلى تسوية بدلاً من الانتقام. وحسب تحليل الصحيفة البريطانية، فإن نجاح ترامب في هذا الرهان قد يحقق له هدفاً طال انتظاره في السياسة الخارجية الأمريكية عبر إدارات متعددة، وهو القضاء على التهديد النووي الإيراني، وذلك بتكلفة منخفضة نسبيًا. لكن هذه الخطوة تحمل مخاطر هائلة تتمثل في إشعال الشرق الأوسط أكثر، مما يعرض أمن الولاياتالمتحدة وإسرائيل للخطر، إذ يحذر براين كاتوليس، الزميل الأول في معهد الشرق الأوسط في واشنطن، قائلاً: "كل شيء يعتمد على كيفية رد فعل النظام الإيراني، وليس واضحاً ما هي قدرات النظام وإرادته في هذه المرحلة، لكن شبكة إيران عبر المنطقة تبقى فتاكة عملياً، وهي قادرة على زرع المزيد من عدم الاستقرار والإرهاب إذا اختارت ذلك". من صانع السلام إلى محارب يمثل هذا القرار انقلاباً كاملاً في خطاب ترامب الانتخابي، إذ أمضى معظم حملته الرئاسية عام 2024 مؤكداً أنه سيكون صانع سلام في فترته الثانية، حلالاً للصراعات العالمية بدلاً من إثارة صراعات جديدة. لكن الرئيس، الذي وقع تحت ضغط شديد من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، رأى في الضربة ضد إيران فرصة لتأمين إرث تاريخي كزعيم مستعد لاستخدام القوة العسكرية الأمريكية بحسم. وقد ظهر ترامب يوم السبت وهو يتلذذ بتحوله من معتنق للعزلة إلى محارب، إذ ارتدى قبعته الحمراء الشهيرة "اجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى" أثناء اجتماعه مع كبار مساعديه في غرفة العمليات بالبيت الأبيض. وفي خطابه عقب الضربات، أصدر تهديدات واضحة بتوسيع الحملة العسكرية قائلاً: "سيكون هناك إما سلام أو ستكون هناك مأساة لإيران أعظم بكثير مما شهدناه خلال الأيام الثمانية الماضية، تذكروا أن هناك أهدافاً كثيرة متبقية... لكن إذا لم يأت السلام بسرعة، فسنذهب وراء تلك الأهداف الأخرى بدقة وسرعة ومهارة". اقرأ أيضًا: إنفوجراف| مواقع إيران النووية التي استهدفتها أمريكا انتقادات حادة وانقسام سياسي داخلي واجه قرار ترامب انتقادات حادة من محللين السياسة الخارجية، إذ علقت دانا سترول، نائبة مساعد وزير الدفاع السابقة لشؤون الشرق الأوسط والعاملة حالياً في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، بأن التحول العدواني لترامب تجاه إيران يتعارض مع موقفه السابق من السياسة الخارجية، مشيرة إلى أن "ترامب صرح مراراً بتفضيله للدبلوماسية ورغبته في عقد صفقة ورغبته في أن يُحكم عليه من خلال الحروب التي لا تدخلها الولاياتالمتحدة، وها نحن هنا، بعد خمسة أشهر من الإدارة الثانية، وقد أدخل الولاياتالمتحدة في صراع مباشر مع إيران". وقد انقسم الكونجرس الأمريكي حول القرار، إذ عبر السيناتور الديمقراطي كريس فان هولن من ولاية ماريلاند عن غضبه قائلاً: "الحرب في العراق بدأت أيضاً تحت ذرائع كاذبة، الولاياتالمتحدة دعمت دفاع إسرائيل بحق، لكن لا يجب أن تنضم إلى نتنياهو في شن حرب الاختيار هذه". فيما دعت النائبة الديمقراطية ألكسندريا أوكاسيو-كورتيز من نيويورك لعزل ترامب لاتخاذه إجراءً عسكرياً دون إذن الكونجرس الأمريكي، كما كتب النائب الجمهوري توماس ماسي حول قرار ترامب بالهجوم: "هذا غير دستوري". في المقابل، أشاد بعض القادة الجمهوريين الآخرين بهذه الخطوة، حيث قال رئيس مجلس النواب مايك جونسون: "العمل الحاسم للرئيس يمنع أكبر راع دولة للإرهاب في العالم، والتي تهتف 'الموت لأمريكا'، من الحصول على أفتك سلاح في الكوكب، هذه سياسة أمريكا أولاً في العمل". التحدي السياسي والمستقبل المجهول تأتي هذه الخطوة الجريئة في وقت حساس سياسياً، حيث تظهر استطلاعات موقع "ريال كلير بوليتيكس" أن 51% من الأمريكيين يعارضون أداء ترامب في المنصب، مقابل 46.9% يؤيدونه. يشير آرون ديفيد ميلر، المفاوض السابق في وزارة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط والعامل حالياً في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، إلى أن ترامب لديه "هامش سياسي كبير" لمواصلة القتال، خاصة إذا انتقمت إيران. لكنه يحذر أيضاً من أن النافذة قد لا تبقى مفتوحة طويلاً، خاصة إذا اتسعت الحرب أو أثارت أزمة طاقة جديدة، مضيفاً: "كيف سيتفاعل ذلك مع مقتل أمريكيين، وارتفاع أسعار النفط فوق 100 دولار للبرميل، مسألة أخرى".