فيما يتعلق بحمي استطلاعات الرأي التى اجتاحت مصر وخارجها فى الأيام الأخيرة، والسابقة على إجراء أول انتخابات رئاسية تنافسية فى تاريخ مصر، تعددت الآراء وتناثرت الاتهامات، سواء تجاه الجهات التى قامت بإجراء تلك الاستطلاعات، والنتائج أسفرت عنها، أو بشأن تقدم مرشح رئاسي وتراجع آخر، وبالمقابل، ظهر الاستقطاب واضحا فى تناول وسائل الإعلام والجهات التى ينتمي إليها المرشحون، لاستطلاعات الرأي التى تجري – أيضا – لأول مرة فى تاريخ مصر، عبر جهات رسمية ومستقلة على حد سواء، مما جعل المواطن فى حيرة، أيها يصدق، هذا الذي يؤكد أن "فلان" يتصدر القائمة فى صعيد مصر، أم ذاك الذي يعلن تراجع "فلان" فى ريفها. يقول د. عمرو هاشم ربيع – الخبير الاستراتيجي بمركز الدراسات الاستراتيجية بالأهرام – أن مجرد تطبيق استطلاعات الرأي فى مصر بهذه الحرية يعتبر فى حد ذاته انتصار للشعب وتمكين لمواطنيه من ممارسة حقوقهم السياسية لأول مرة فى تاريخ مصر، منذ انتهاء الاحتلال البريطاني فى منتصف القرن الماضي، بينما وعلى مدي الثلاث عقود الأخيرة، فقد ظهرت استطلاعات رأي موجهة وعلى استحياء ومحظور فيها أن يكون موضوعها متعلقا بشأن سياسي رفيع، ناهيك عما يتعلق بساكن القصر الرئاسي. بل إن المواطن كان محظورا عليه مجرد الجهر باسم مرشح رئاسي غير الرئيس المخلوع، وقد كانت فى تجربة المواجهة المميتة بين هذا الأخير وبين "أيمن نور" فى الانتخابات الرئاسية عام 2005 درسا قاسيا، لكل من تسول له نفسه مجرد التفكير فى منافسة "مبارك" على كرسيه الرئاسي، الذي كاد أن يكون أبديا ساريا فى عائلته، لولا قيام ثورة الخامس والعشرين من يناير. وواصل بقوله، حتى عام ونصف مضي إذن كان المواطن المصري مغلوب على رأيه، غير ممكن سياسيا، وبالتالي جاء انهمار استطلاعات الرأي علي الشعب كنوع من الصدمة الحضارية، مما دعا الكثيرين إلى التشكيك فى نتائجها، واعتبار أن الجهة التى قامت بإجرائها، هى المستفيدة من النتائج التى أفرزتها، ولكن ومن ناحية أخري فإن استطلاعات الرأي فى بلادنا لا تزال "جنينية"، وتفتقر للكثير من معايير المهنية، أبسطها قلة عدد العينات التى يشملها كل استطلاع، وكذا أن مهظمها يكون على شبكة الإنترنت، مما يعني أن شريحة خاصة جدا وتخبوية هى فقط المتاح لها المشاركة فى هذه الاستطلاعات، إذ كيف نحدد اتجاهات الرأي العام لخمسين مليون ناخب عبر شريحة محدودة بألف مواطن فقط؟.. إلى جانب وجود قيود اجتماعية تفرضها تقاليد بالية لا تزال موجودة لدي الكثيرين، فمثلا وعندما يتم الاستطلاع عبر الهاتف، فإنه يتعذر التواصل مع السيدات والفتيات، حيث الشك وربما "الشتيمة" تكون من نصيب من يحاول إجراء استطلاع رأي عبر التليفون..! من جانبه كشف "ماجد عثمان" - رئيس المركز المصري لبحوث الرأي العام "بصيرة" - أن هناك كثير من استطلاعات الراي العام التى جرت وتجري حاليا، يشوبها عدم المصداقية، نظرا لاعتمادها على أسئلة "إيحائية" وموجهة لرأي المواطن باتجاه بعينه، مثل: هل تفضل المرشح الرئاسي صاخب الخبرة الكبيرة؟؟ .. أو: هل تفضل المرشح الذي يعد بإعادة الأمن فورا إلي الشارع المصري؟؟ (وكأنه يعلم هوية الذين ينشرون العنف والبلطجة وسيقوم بإصدار أمره لهم بالتوقف).