كما توقع الجميع فاز الإسلاميين بمقاعد مجلس الشعب ويبقى للمحللين أن يحللوا الأسباب ويتوقعوا ما سيحدث ونطرح الأمر لقرائنا الأعزاء فى محاولة لفهم وتحليل فوز الإسلاميين وما عى السيناريوهات المتوقعة أعلنت اللجنة العليا للانتخابات في مصر اليوم السبت فوز حزبي الحرية والعدالة والنور ب223 مقعداً بنظام القوائم في انتخابات مجلس الشعب. وقال عبد المعز ابراهيم رئيس اللجنة العليا للانتخابات في مؤتمر صحفي: إن حزب الحرية والعدالة حصل على 127 مقعدا، باجمالي أصوات 10 ملايين 138 ألفا و134 صوتا، کما فاز حزب النور ب 96 مقعدا باجمالي أصوات سبعة ملايين و534 ألفا و266 صوتا. أما حزب الوفد الجديد، فقد حصل على 36 مقعدا باجمالي أصوات اثنين مليون و480 ألفا و391. بينما حقق ائتلاف الکتلة المصرية 33 مقعدا باجمالي أصوات اثنين مليون و402 ألف و138 صوتا، وحصل حزب الوسط على 10 مقاعد باجمالي أصوات 989 ألفا و4 أصوات. وفاز حزب الثورة مستمرة بسبعة مقاعد واجمالي أصوات 745 ألفا و863 صوتا، أما حزب الاصلاح والتنمية فحصل على ثماني مقاعد و604 آلاف و415 صوتا، وحزب الحرية أربعة مقاعد ومصر القومي أربعة مقاعد. وقال عبد المعز ابراهيم قوله ان "قطار الديمقراطية وصل إلى محطته الأخيرة بالنسبة لانتخاب أول مجلس شعب بعد ثورة 25 يناير الثاني". هذا وكانت مصر قد شهدت في فترة الشهر ونصف الشهر الاخيرة اول انتخابات برلمانية بعد الاطاحة بنظام حسني مبارك جرت على 3 مراحل. ومن المقرر ان يعقد مجلس الشعب الجديد جلسته الاولى يوم الاثنين المقبل. وسيتم خلالها اختيار رئيس المجلس ووكيليه. يبدو أن فوز الإسلاميين في الانتخابات الديمقراطية الأخيرة واللاحقة في البلدان العربية، والتي أعقبت انتفاضات الربيع العربي بات مؤكداً، فإذا لم يحصلوا على الأغلبية المطلقة (51%+)، فإنهم بالتأكيد سيفوزون بالأغلبية النسبية، أي بالمركز الأول على منافسيهم من القوى الديمقراطية العلمانية، فهذا ما حصل في تونس، وفي المغرب، ومن المتوقع أن تتحقق نفس النتيجة في مصر، وليبيا وغيرها، وكما حصل في الجزائر وغزة من قبل. تحليل فوز الاسلاميين أولاً: أن الحكومات التي حكمت الشعوب العربية كانت علمانية مستبدة، وفاسدة إلى أبعد الحدود، وفشلت في حل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المتفاقمة، لذلك شوهت سمعة العلمانية، الأمر الذي استغله الإسلاميون، ولتفشي الجهل والأمية بين الشعوب العربية، صوروا لهم أن العلمانية تعني الإلحاد والإباحية، ومعاداة الإسلام، وطرحوا شعارهم المعروف (الحل في الإسلام). كما ويجب أن لا ننسى أن الجماهير الواسعة من الشعوب العربية هي محافظة ومتدينة وخاضعة لتأثير التراث العربي- الإسلامي، الذي صور لهم أن سبب تخلف العرب هو تخليهم عما كان عليه السلف الصالح، وأنهم لن يعيدوا مكانتهم المرموقة في العالم إلا بتمسكهم بهذا التراث وإحيائه، والعودة إلى الماضي "المجيد". ثانياً: الإسلاميين اكتسبوا خبرة هائلة في مخاطبة الرأي العام العالمي الغربي، والجماهير العربية، فطرحوا أنفسهم على أنهم ديمقراطيون حقيقيون، وأنهم سيلتزمون بالديمقراطية، والتعددية، واحترام الحقوق...الخ إذا ما استلموا السلطة. ثالثاً: إن الحكومات العربية العلمانية الفاسدة كانت تخاف على سلطتها من القوى الديمقراطية الليبرالية أكثر من خزفها من الأحزاب الإسلامية، لذلك كان هناك نوع من التحالف غير المعلن بين الإسلاميين والحكومات الفاسدة في محاربة العلمانيين الديمقراطيين، وتضييق الخناق عليهم في التبشير برسالتهم، وتصفيتهم إعلامياً، وحتى جسدياً، وهناك قوائم طويلة بأسماء قوافل الشهداء الديمقراطيين العرب الذين اغتيلوا على أيدي الإسلاميين، ودون مقاضاة الجناة. رابعاً: يمتلك الإسلاميون آلاف المنابر المنتشرة في طول البلاد العربية وعرضها مثل المساجد والمدارس الدينية، وحتى الشوارع والساحات العامة، لنشر أفكارهم وأيديولوجيتهم بمنتهى الحرية، والعمل على تشويه سمعة الديمقراطيين الليبراليين، وإصدار الفتاوى بمحاربة العلمانيين، والتصويت للإسلاميين في الانتخابات، وآخرها كانت فتوى الشيخ يوسف القرضاوي في هذا الصدد. خامساً: يتمتع الإسلاميون بالدعم المالي الهائل من الدول الخليجية الغنية، وبالأخص من المملكة العربية السعودية التي تحارب الإسلام السياسي والإرهاب في بلادها، ولكنها تدعمهما بكل الوسائل في الخارج. وبهذه الأموال الهائلة، استطاعت أحزاب الإسلام السياسي في العالم العربي فتح مؤسسات خيرية من أسواق، وجمعيات، ومراكز صحية لمساعدة الشرائح الفقيرة في هذه المجتمعات، وبذلك كسبت عطف الجماهير البائسة. كما وساعدت هذه الأموال الإسلاميين على فتح مؤسسات إعلامية من صحافة وفضائيات ومواقع انترنت، والاستفادة من التقنية المتطورة والثورة المعلوماتية، وتدريب كوادرها على فن الخطابة والتواصل مع الجماهير لبث رسالتهم، وإقناع الآخرين بها، كما واستغلوا رحابة صدر مواقع العلمانيين الديمقراطيين في نشر دعاياتهم ضد منافسيهم من الديمقراطيين. سادساً: الإسلاميون متماسكون في أحزاب منظمة موحدة بشكل جيد، بينما الديمقراطيون الليبراليون متشرذمون إلى عشرات الأحزاب المتنافسة فيما بينها، وأغلبها قيادات بلا قواعد كما الحال في العراق. أما شباب الانتفاضة الذين يشكلون القطاع الأوسع فهم غير منتمين إلى أي تنظيم، ودون قيادة كارزماتية معروفة، أو برنامج سياسي واضح، والشيء الوحيد الذي دفعهم للثورة هو وعيهم بظلم الحكومات المستبدة، والبطالة، وحاضرهم المؤلم، وقلقهم من المستقبل المجهول، وطموحاتهم في حياة أفضل. سابعا: تخويف الحكومات السابقة من قدوم أي حكم إسلامي قروسطي لأنه سيفرض عليهم حكم الشريعة، ويفرض الحجاب والنقاب على المرأة ويعيدها إلى عهد الجواري والحريم، سجينات البيوت (وقرن في بيوتكن). ولكن بعد ثورات الربيع العربي تغير الموقف، فصارت الانتخابات حتمية لا مناص منها، وبالتالي تحققت مخاوف العلمانيين الديمقراطيين بفوز الإسلاميين. ثامنا:هذا هو وقت الإسلاميين فلو درسنا تاريخ الشعوب الغربية التي سبقتنا في الديمقراطية لوجدنا أنه من المستحيل الانتقال من الاستبداد إلى الديمقراطية الناضجة بسهولة وسلاسة. وبنفس المنطق، فمن المستحيل انتقال الشعوب العربية بكل ما عرف من تاريخها الدموي المعقد، إلى الديمقراطية الناضجة بخطوة واحدة أو بين عشية وضحاها. لذلك نعتقد أن صعود الإسلاميين إلى السلطة مسألة حتمية، وربما مفيدة. مفيدة لأنها توفر الفرصة الذهبية لوضع الإسلاميين على المحك، واختبار إمكانياتهم وادعاءاتهم في حل مشاكل شعوبهم. فطالما ردد الإسلاميون شعارهم المعروف (الإسلام هو الحل)، وراحوا يمجدون السلف الصالح، وينكرون ما في التاريخ العربي-الإسلامي من جرائم ومظالم وعبث وجور الخلفاء والسلاطين، بل وحتى الأمجاد معظمها مختلقة وزائفة. فإذا نجح الإسلاميون في حل مشاكل شعوبهم، وحكموا بالعدل، وتمسكوا بالديمقراطية والدولة المدنية، ودون أن يفرضوا قوانين الشريعة على الناس، كما وعدوا شعوبهم والعالم، ففي هذه سيدوم عهد الإسلاميين. تاسعا:قضى الرئيس المخلوع مبارك على الحياة السياسية في مصر ولم يدع المجال لوجود أي حزب منافس قوى للحزب الوطني بينما أبقى على بعض الأحزاب الديكورية (لزوم الديمقراطية المزعومة) ومن ثم خلق استقطاب بين الحزب الوطني والإخوان المسلمين ومع سقوط النظام وحل الحزب الوطني الى جانب عدم تبلور الأحزاب الجديدة التي أفرزتها الثورة فقد حدث فراغ سياسي كبير ومن ثم كان من الطبيعي أن يملؤه الإخوان المسلمين باعتبارهم القوى الوحيدة الأكثر تنظيما فضلا عن التيار السلفي الذي كان موجودا على الساحة الدعوية ومتغلغلا بشكل كبير في المجتمع ثم نزل بقوة الى الساحة السياسية_بعد أن كان يحرمها_ عقب الثورة مستغلا شعبيته! عاشرا:ومع وجود نسبة أمية وجهل كبيرة في المجتمع تصل الى 30% وهي أيضا من مخلفات مبارك ولأن الإخوان والسلفيين يستخدمون سلاح الدين مستغلين العاطفة الدينية لدي شعب متدين بطبعه فقد كان من الطبيعي أن يستقطبوا جزء كبير من الناس ومما زاد الطين بلة مسألة الغرامة التي أعلنت فرضها اللجنة العليا للانتخابات على من يتخلف عن التصويت , وهو ما دفع نسبة لا يستهان بها من بسطاء الناس للنزول الى التصويت خوفا من الغرامة ومن ثم وقعوا ضحية سهلة لمندوبي التيارات الدينية الذين وجهوهم لاختيار المرشحين المتدينين الربانيين! الحادى عشر: فضلا عما سبق فان مصدر قوة الإخوان في تقديري يكمن في القوة التنظيمية الهائلة لجماعة تعمل منذ حوالي قرن من الزمان , والحقيقة أنها قد أبهرتني إذ فوجئت أثناء مروري مع خالي على اللجان بمندوبات لحزب الحرية والعدالة يستقبلن الناس بالابتسامات ويوجهنهم لمعرفة رقم اللجنة باستخدام أجهزة لابتوب وذلك أمام جميع اللجان بلا استثناء! وهو أمر يحتاج الى قوة تنظيمة ومالية هائلة ليست متوفرة لغيرهم من الأحزاب الأخرى. أخيرا: خطاب الإخوان وخطاب الأحزاب الأخرى وخاصة شباب الثورة اذ بينما قدم الاخوان خطابا إصلاحيا محافظا يستجيب لهموم الناس , كما يقول الدكتور عمرو الشوبكي , فقد عاشت النخب السياسية في أبراج عاجية وقدم شباب الثورة خطابا ثوريا فيه جزء كبير من التعالي على الناس بعيدا عن همومهم الحقيقية , والمؤكد أن الاعتصام قد خصم كثيرا من رصيد شباب الثورة والقوى المدنية المؤيدة له لاسيما بعد أن نجح المجلس العسكري في تشويه صورة الثوار مستخدما الإعلام المصري بتصويرهم بلطجية ومثيري شغب سيناريو فشل الإسلاميين: وقت فشل الإسلاميين سيواجهون انتفاضات شعوبهم مرة أخرى كما واجهت الحكومات العلمانية المستبدة من قبل. هناك من يعتقد من العلمانيين الديمقراطيين، أن هذا التحليل هو الآخر خيالي ومجرد تمنيات وأفكار رغبوية، ويرون أنه إذا ما وصل الإسلاميون إلى السلطة فإنهم سيتمسكون بها، ويعملون على أسلمة المجتمع، ولن يتخلوا عن السلطة إلا على أسنة الحراب، ويستدلون على ذلك بالأنظمة الإسلامية المستبدة في السعودية، وإيران، والسودان، وأفغانستان في عهد طالبان. وهنا يجب أن نؤكد أن الأوضاع في البلاد العربية قد تغيرت، فحاجز الخوف عند الشعوب قد انهار، ومعظم الذين ثاروا هم من جيل الشباب الذين يشكلون نحو 70% من الشعب، وهم دون الثلاثين من العمر، وإذا ما فشلت الأحزاب الإسلامية في تحقيق طموحات الشباب فلن يتردد هؤلاء في العودة إلى ميادين التحرير، وإعلان الثورة والعصيان مرة أخرى على الحكومات الإسلامية التي تنكرت لوعودها وعهودها، وسيتم إسقاطها عبر صناديق الاقتراع. وهكذا تتطور المجتمعات بإختيار البديل الأفضل وفق القاعدة الداروينية الاجتماعية: البقاء للأصلح.