إن كان عنوان الموضوع متعلق بالنتائج الخطيرة التي آل إليه بحث الفصائل الفلسطينية بعد هزيمة عام 1967 عن الشرعية السياسية بعد حصولها على شرعية المقاومة وعدم تعلم حركة حماس من خطأ تلك التجربة، وأنها مازالت لم تُدرك خطورة ذلك على مستقبل القضية في وقت العدو اليهودي-الغربي الذي تنشد رضاه يرفض الفكرة من حيث المبدأ فضلاً عن أنه لم يَعُد هناك أرض في الضفة وغزة تصلح لإقامة دولة، أضف إلى ذلك أن أي كيان في الضفة وغزة لن يكون كياناً فلسطينياً وطنياً مستقلاً ولكنه سيكون كما وصفه المجلس الوطني عام 1968 كيان عميل يقوم بدور ضد مصلحة الأمة والوطن، إلا أنه ينطبق على كثير إن لم يكن كل ثورات (الربيع العربي بحسب المصطلح الأمريكي)! وأنا لا أشكك في صدق نوايا وتضحيات المواطن العربي الذي ثار وضحى حقيقية لأجل التغيير ولكن أشكك في صدق نوايا صدق الوجه الآخر للنظام -الحركات والأحزاب المعارضة- الذي باع تضحيات ودماء أبناء الوطن لعدو الأمة والوطن مقابل حصوله على الشرعية السياسية سواء بالوصول إلى الكرسي أو حق تشكيل حزب سياسي! إن أولئك الباحثين عن الاعتراف بشرعيتهم من عدو الأمة والوطن الذي زرع أشد أعداء الأمة والإنسانية -اليهود- في فلسطين ومازال يدعمهم ويحميهم، مَثَلَهم كما قال تعالى: ﴿كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً﴾ {الجمعة:5}. لأنهم لم يفقهوا شيء من القصص القرآني عن صفات بني إسرائيل واليهود. كما لم يتعلموا شيء عن أبعاد التحالف اليهودي الغربي لا من القرآن ولا من تجارب قرون الصراع ولا من تجارب الحاضر والواقع. ولأنهم لم يدركوا أن الذي ينال الشرعية مِمَنْ لا يملك منحها سرعان ما يُمسي بلا شرعية، لأن الشرعية تُكتسب من خلال الانتماء للأمة والوطن والحرص على مصالحهما!. لذلك أعتذر لبعض الأصدقاء الذين طلبوا مني مراراً الكتابة عن (ثورات الربيع العربي) لأني لا أرجو منها خيراً كثيراً وهي تبدأ بريئة مستقلة تواكبها محاولات الغرب لاحتوائها –لأنه لم يصنعها كما يحاول البعض تصويرها كذلك- وتنتهي مسلوبة ومخطوفة من انتهازيين لا هَمَ لهم إلا تحقيق مكاسب حزبية وشخصية رخيصة مقارنة بتضحيات المخلصين ومصالح الوطن! وكم أتمنى على أولئك الشباب والمواطنين الذين ثاروا صادقين لانتزاع حقوقهم وحريتهم ألا يستسلموا للاختطاف ثورتهم وأن يواصلوا ثورتهم ضد القوى المضادة والمعادية لها التي أجهضتها. كما أرجو من تلك الأقلام المؤدلجة التي تتخذ من دعم بعض الأنظمة العربية التي مازالت تُعتبر في فكرهم رجعية وعميلة للغرب واليهود لبعض الثورات حجة لمهاجمة تلك الثورات والتشكك فيها وكأن أولئك الحكام الذين يدافعون عنهم ليسوا أشد عمالة لليهود والغرب منها؟! أن يكفوا عن ذلك لأنهم يدافعون عمن لا يستحق ويزرعون الفرقة بين أبناء الوطن، ولأن دفاعهم عنهم ليس لأنهم شرفاء ولكن بدافع أيديولوجي معادي لفكر بعض الاتجاهات المشاركة في تلك الثورات، ومن الخير لهم وللأمة والوطن أن يتوقفوا ويعيدوا تقييم وتقويم أفكارهم وتصحيحها بما يتناسب ومتطلبات المرحلة ويحقق مصالح الأمة والكف عن التناقض في خطابهم السياسي!. في الحلقة الماضية بينا أن الله تعالى ربط بين الجهاد والفقه وأن المجاهد تتوفر له الفرص ليتفقه أكثير من المتفقهين من خلال الكتب، لذلك أدرك الشيخ عز الدين القسام أبعاد الهجمة اليهودية-الغربية ضد الأمة والوطن، فكان شعاره: هذا جهاد .. نصر أو استشهاد! ومثله أدرك القائد أحمد الشقيري حقيقة التحالف اليهودي-الغربي واستحالة الثقة فيهما وخاصة أمريكا، وأن القضية لا تحل في الأممالمتحدة وغيرها من المحافل الدولية ولكن على أرض فلسطين وبوسيلة واحدة هي الكفاح المسلح فأصل ذلك في الميثاق القومي الفلسطيني. والأمر نفسه أدركه الراحل عرفات متأخراً في كامب ديفيد 2000 وعندما حاول تصحيح خطأ المسار السياسي خذله الجميع وقتلوه بالسُم!. بحث الفصائل عن الشرعية# بعد انطلاق حركة فتح وفصائل فلسطينية أخرى رافعة لواء المقاومة والكفاح المسلح ضد العدو الصهيوني عبر حدود بعض الدول العربية وخاصة الأردن بعد عام 1967، أصبح هناك سلطتان فلسطينيتان، سلطة شكلية وتمثلها منظمة التحرير وسلطة شرعية تمثلها المقاومة، وذلك جعل بعض الأنظمة العربية تسعى لضم تلك الفصائل خاصة حركة فتح إلى منظمة التحرير، التي كان البعض فيها كما ذكر (أبو إياد) "يخشى على الحركة أن تنالها البيروقراطية وأن يضعف نقاؤها الثوري نتيجة ذلك". ويعترف أنهم كانوا على حق. وقد استطاع الرئيس جمال عبد الناصر إقناع حركة فتح وفصائل المقاومة بالانضمام لمنظمة التحرير والمشاركة في الدورة الرابعة للمجلس الوطني الفلسطيني المنعقد في القاهرة في الفترة ما بين 10-17/7/1968، وفي هذه الدورة أكد المجلس على أن حقيقة القضية الفلسطينية أنها قضية تحرير وأن الكفاح المسلح هو الطريق الوحيد لتحرير فلسطين، واتخذ عدة قرارات بهذا الشأن أهمها: شجب الكيان المزيف "2- شجب الكيان الفلسطيني المزيف: حذر المجلس في مقرراته من الدعوات المشبوهة لإنشاء كيان فلسطين مزيف يقوم على أساس إعطاء الشرعية والديمومة للعدو الصهيوني، الأمر الذي يتنافى كلياً مع حق الشعب العربي الفلسطيني في كامل وطنه فلسطين وذكرت قرارات المجلس الوطني أن مثل هذا الكيان المزيف هو في حقيقة حاله (مستعمرة إسرائيلية) تصفى القضية الفلسطينية تصفية نهائية لمصلحة العدو الصهيوني، وهو في الوقت نفسه مرحلة مؤقتة تتمكن فيها الصهيونية من التمهيد لدمج هذا الكيان دمجاً كاملاً في الكيان (الإسرائيلي). هذا بالإضافة إلى خلق إدارة عربية فلسطينية عميلة في الأراضي المحتلة، وشجب المجلس الوطني فكرة الكيان الفلسطيني المزيف في الأراضي الفلسطينيةالمحتلة بعد الخامس من حزيران 1967 شجباً مطلقاً. وأعلن أن أي فرد أو جهة عربية فلسطينية أو غير فلسطينية تدعو لهذا أو تؤيده هي عدو للشعب العربي الفلسطيني وللأمة العربية". كما اتخذ عدة قرارات سياسية على الصعيد الفلسطيني والعربي والدولي: "عن قرار مجلس الأمن رقم 242 الصادر في 22/11/1967 مرفوض لعدة أسباب منها أن القرار يضمن إنهاء حالة الحرب بين الدول العربية والعدو الصهيوني، ويترتب على ذلك فتح الممرات العربية المائية للملاحة (الإسرائيلية) والتزام الدول العربية بإنهاء المقاطعة العربية ل(إسرائيل) وفتح الباب لغزو المنتجات (الإسرائيلية) جميع الأسواق العربية، ويتضمن القرار إقامة حدود آمنة ومتفق عليها مع (إسرائيل). وهذا ينطوي على الاعتراف الواقعي بها مما يتناقض وحق الشعب العربي الفلسطيني المطلق بكامل وطنه. كما أكد المجلس أن الثورة الفلسطينية جزء من الثورة العالمية على الاستعمار والإمبريالية الأمريكية بشكل خاص". تعديل الميثاق ودور الجيش وفي دورة المجلس الوطني الفلسطيني الخامسة التي عقدت ما بين 1- 4 شباط/ فبراير 1969 كانت حركة فتح قد أمنت لنفسها الأغلبية المطلقة في مقاعد المجلس الوطني وكفلت بذلك لنفسها قيادة منظمة التحرير وتوجيهها الوجهة التي تريد على حد ما ذكره أبو إياد في كتابه "فلسطيني بلا هوية". وقد تم في هذه الدورة اختيار الشهيد ياسر عرفات رئيساً لمنظمة التحرير واللجنة التنفيذية. كما أنه تم في هذه الدورة اتخاذ عدة قرارات يمكن اعتبارها بداية التأسيس للانحراف والتراجع في المستقبل عن المسار الصحيح لما كان يجب أن تسير عليه قرارات المجالس الوطنية الفلسطينية، بدءاً من تغيير اسم الميثاق إلى حذف وتعديل، وإضافة مواد جديدة فيه. فقد قرر المجلس على صعيد النظام الأساسي والتعديلات القانونية أن يتم تعديل المادة الخاصة: 1- بشان جيش التحرير، بعد أن كان قرار إنشائه السابق ينص على: "وتكون له قيادة مستقلة وواجبه القومي أن يكون الطليعة في خوض معركة تحرير فلسطين". أي دوره يدل على وعيه بحدود قدرته وبأبعاد القضية ودور ومسؤولية الجيوش العربية. عدل المجلس النظام الأساسي بحيث يصبح: "وتكون له قيادة مستقلة تعمل تحت إشراف اللجنة التنفيذية وتنفذ تعليماتها وقراراتها الخاصة والعامة". كان ذلك هو التعديل الأول في الميثاق ولم يكن أول تعديل عام 1973 ولا عام 1996! وقد كان عنوانه التأكيد على الأنا والهوية القطرية وفصل القضية عن بعدها القومي تمهيداً ليصبح على الفلسطينيين وحدهم في المستقبل عبئ تحرير فلسطين! وقد كان من نتائج ذلك التعديل انحراف الجيش عن دورة كطليعة في معركة التحرير الذي حُدد له في دورة المجلس الوطني الأولى والذي كان نابعاً من الإدراك الواعي بأبعاد الصراع مع العدو الصهيوني، كما تسبب ذلك التعديل في حدوث معارك فلسطينية-فلسطينية، أو فلسطينية-عربية بدعوى الحفاظ على القرار الوطني الفلسطيني المستقل الذي أكده الميثاق الجديد. "3- أما بشأن الميثاق ذاته: فقد "قرر المجلس الوطني تغيير اسم الميثاق ليصبح (الميثاق الوطني الفلسطيني) بدلاً من الميثاق القومي الفلسطيني لأن كلمة (الوطني) تنصرف إلى الشعب العربي الفلسطيني في حين أن كلمة (القومي) تنصرف إلى الأمة العربية. والميثاق هو للشعب الفلسطيني وليس لجميع الأمة العربية، وعدل المجلس كثيراً من مواد الميثاق الأصلي وحذف بعضها وأضاف إليها مواد أخرى". لقد كان لذلك التغيير دلالته الخطيرة التي كان يجب التنبه إليها منذ ذلك التاريخ وهي السير بالقضية المركزية للأمة نحو القطرية والذاتية الفلسطينية والتدرج إلى أن تصل إلى درجة التعصب الوطني والقطري الذي جلب على القضية الكثير من الكوارث من الأردن إلى أوسلو، وكان سبباً في كثير من الحروب والدماء التي سالت في معارك جانبية مع الأخوة الفلسطينيين والأشقاء العرب، ومهد ذلك لتحجيم القضية المركزية للأمة وتخلص الأنظمة العربية التخلص من التزاماتها ومسئوليتها القومية اتجاه الشعب الفلسطيني ومعركة التحرير واختزالها في أنهم يوافقون على ما يوافق عليه الفلسطينيين كما قرر ذلك مؤتمر القمة العربي السابع عام 1974. وقد كان أهم ما تم تغييره في الميثاق بعد الاسم، عبارة في المادة (21) من الميثاق القومي توحي بعدم قبول التسويات، حذفت من المادة (24) في الميثاق الوطني، التي قابلت المادة (21) وهي: "... ويؤيد الجميع المساعي الدولية التي تهدف إلى إقرار السلم على أساس الحق والتعاون الدولي" . كما أن الميثاق الوطني الجديد قد أكد على ما أكد عليه الميثاق القومي منذ عام 1922 مع إضافات جديدة تتناسب ومتطلبات المرحلة الجديدة، وكلها تؤكد وحدة التراب الفلسطيني وتُصر على التحرير لكامل التراب وترفض كل الحلول السلمية والكيانات الفلسطينية المزيفة وغيرها. إلى هذه الدورة لم يكن هناك خطر في التغييرات التي حدثت على اسم الميثاق أو غيره من المواد ولكن ما أن عقدت