من يعرف شيئاً عن تنظيم الإخوان المسلمين الداخلي، يعرف أنه تنظيم قوى ويزيد من قوته إيمان المنخرطين فيه بأهداف الجماعة إيماناً عقيدياً وأيدلوجياً، وبالتالى فأن أفراد الجماعة لا يصدرون فى أفعالهم أو أقوالهم عن ذات فردية ولكن من خلال منظومة جماعية ، تحكمها وتنظمها لائحة حديدية لكنها تسمح بالديموقراطية - فى إطار منطلقات وأهداف الجماعة - وتسمح بتداول السلطة. وإدراك أعضاء الجماعة الدائم بإنهم مستهدفون وإنهم يعملون خارج إطار الشرعية القانونية يجعلهم على المستوى الفردى وعلى مستوى الجماعة يحافظون بقدر المستطاع على تماسكهم الداخلى ونظام الجماعة العام الذى صدر قرارا بحلها ونزع الشرعية القانونية عنها عام 1954م ومنذ هذا التاريخ لم تعرف نظاما داخليا صلبا حتى السبعينيات من القرن العشرين، حين أعادت الجماعة بناء التنظيم بعيدا عن النظام بعد أن أيقنت من فشل صفقتها مع الرئيس السادات الذى حاول بدهائة أن يستغلها لضرب خصومه مقابل أن يمنحها شرعية قانونية، لكن بعد أن يقلم أظافرها ويخلع أسنانها حيث طلب من مرشدها العام فى بداية السبعينيات عمر التلمسانى - عبر وسيط - أن تغير الجماعة اسمها وتحل التنظيم السرى فأدرك الأخير أن فى المطلبين فناء الجماعة. كان السادات يخطط لإحتواء الأخوان وتوجيههم إلى ضرب خصومه السياسيين وهو ما أدركه التلمسانى ورفضه بشدة ، ومنذهذا التاريخ بدأت الجماعة فى إعادة تأسيس نفسها من الداخل للحفاظ على تماسكها والسعى لتحقيق أهدافها. ومنذ ذلك التاريخ أيضا وحتى الظرف الراهن لا أعتقد أن الجماعة شهدت مثل هذا الهجوم الإعلامى الداخلى والخارجى الذى يبشر بإنشقاق كبير يكاد يضرب وحدة الجماعة الداخلية هذه البشارات التى تصدر، إما عن أمانى البعض أو قراءة متعجلة للأحداث أو تحريض لأعضاء الجماعة بالانشقاق وتحريض لعامة المصريين بعدم التعاطف أو ياحبذا الكراهية . لكن أيضاً لايمكن أن يصدر هذا الهجوم من فراغ فليس هناك دخان بلا نار، والدخان يتطاير من تصريحات الأعضاء ، والتسريبات التى تخرج من شقة المنيل مقر المرشد وجماعته المقربين ، ومن مكتب الإرشاد والجبهتين المتصارعتين داخل الجماعة جبهة مهدى عاكف وخيرت الشاطر، ود.عصام العريان، والجبهة الأخرى التى يمثلها المرشد القادم محمد حبيب ومحمود عزت ود. محمد مرسي، وفى أزمة استقالة المرشد الشفهية الأخيرة وضح تماماً قوة جبهة محمد حبيب التى لم تمكن عاكف من تمرير قراره بتصعيد ابنه المدلل د. عصام العريان ولم يعنى رفضهم لتصعيد العريان بالإقتراع المباشر ضد رغبة المرشد أنهم فقط يعتصمون بالديموقراطية، ولكن يعنى أيضاً أنهم يستعرضون قوتهم أمام المرشد الذى فقد كثير من أعوانه بإعتقال خيرت الشاطر ورفاقه الذين ينضون تحت لواء المرشد حتى أن أحد الخبثاء قال إن الاعتقالات مححدة ومقصودة من الأمن لضرب المرشد والجماعة من الداخل. تفاصيل الصراع الداخلى أيضاً فى الجماعة تشير إلى أن الإطاحة بمهدى عاكف لصالح محمد حبيب مخطط لها منذ أكثر من عام ونصف وخلال هذه المدة تركت الجماعة عاكف يحرق نفسه إعلامياً ويقتنع الجميع أنه يضر الجماعة لا يفيدها لكنهم صبروا عليه مستغلين تهوره واندفاعه حتى ينهى فترة ولايته الأولى، ولا يعيد ترشيح نفسه فلا يثير أزمة داخلية للجماعة ولا يتصادمون هم مع التنظيم الدولى إذا اصطدموا بشكل مباشر مع عاكف ، ومع صعود حبيب إلى منصب المرشد العام فى يناير القادم فسوف يتم اختيار أو تصعيد محمود عزت كنائب وحيد للمرشد مثل أيام الهضيبى وحامد أبو النصر وسوف يتولى د. محمد مرسى منصب الأمين العام ولم يبق على شهر يناير الكثير لاختبار صحة هذا الكلام.