أعتقد أن بعض ما نشاهده أو نقرأه علي مدي الأسابيع الأخيرة باسم الديمقراطية وباسم الحرية في إطار حق النقد المشروع لبعض ما وقع من تجاوزات وانتهاكات في انتخابات مجلس الشعب الأخيرة لا علاقة له بالديمقراطية أو الحرية أو الحق المشروع في كشف وتعرية أية أمراض يعاني منها البنيان السياسي. ولست أتجاوز الحقيقة إذا قلت إنه الجهل وسوء القصد في آن واحد فالجاهل هو أكثر الناس كراهية لمواجهة الحقيقة وبالذات حقيقة نفسه, ومن ثم تجد الجاهل لديه إصرار غريب علي عدم الاعتراف بجهله في شأن أي قضية مطروحة للنقاش, ويخجل من أن يقول إنه لم يقرأ شيئا عن هذا الموضوع أو أنه لم يتمكن من الإلمام بكل تفاصيله قبل أن يتصدي للتعامل معه بالكلمة.. أو بالقرار! والحقيقة أن الجاهل مثل المتربص كلاهما يجيد التظاهر بالثقة, ولذلك تجده يتحدث حديث الواثق عن أمور لا خبرة له بها, وهو في هذه الحالة لا يضطر فقط إلي أن يكذب وإنما يدعي ويزعم وينسب للآخرين أقوالا لم يتفوهوا بها أو أفعالا لم يأتوا بها, مثلما يملك القدرة علي أن يخلط الأمور خلطا معيبا فتصبح الهزيمة نصرا, ويتحول الشر إلي خير, والباطل إلي حق! ومعني ذلك أن الجهل وسوء القصد وجهان لعملة واحدة, وأن الجهل لا يؤدي بصاحبه إلي خطيئة الكذب فقط, إنما يدفع به تلقائيا إلي الاختلاق والادعاء والتحامل والتلفيق والسقوط في بئر الأوهام والمستحيلات! وقد يكون محتملا وإن كان غير مقبول أن ينحصر الجهل وسوء القصد في إطار العلاقات الفردية المحدودة في إطار شلة من الأصدقاء أو مجموعة من الزملاء, ولكن الذي لا يمكن احتماله أن يتصف بالجهل وسوء القصد أستاذ يعلم الأجيال أو كاتب يوجه الجماهير.. فهنا يصبح الجهل وسوء القصد كارثة ويصبح الثمن باهظا! إن الكلمة الجاهلة التي ينطق بها مدرس في المدرسة أو أستاذ في الجامعة وتخترق أذهان التلاميذ والطلاب يصعب اقتلاعها بعد ذلك بأي نوع من التصحيح, وتترتب عليها تداعيات وآثار سلبية تنعكس علي سلوك المجتمع كله.. ونفس الشيء ينطبق علي الكلمة غير المسئولة أو الرأي غير المدروس الذي يشاهده الناس علي شاشات التليفزيون أو يقرأونه في صحيفة تحظي بثقة واحترام الجماهير, ويروج له صاحبه ويصمم عليه بعناد.. وليس هناك أسوأ من عناد الجاهل الذي تأبي عليه شخصيته المهتزة أن يقبل بأي تراجع.. وذلك علي عكس الكبار الذين يملكون شجاعة التراجع عند الخطأ ويؤمنون بأن الرجوع إلي الحق فضيلة. وهنا يكون السؤال الضروري هو: لحساب من يسعي البعض لبذر بذور اليأس والإحباط بدلا من غرس شتلات الأمل والتفاؤل؟ هل هي رغبة دفينة في جلد النفس والذات, ولو كان ذلك علي حساب الحقيقة؟ مجرد أسئلة من وحي الصخب الدائر حول انتخابات مجلس الشعب الأخيرة والتي لم ينكر أحد أنها شهدت تجاوزات وانتهاكات ومن ثم فإن الكلمة الفصل بشأنها ينبغي أن تترك للقضاء بدلا من اختصارها في اتهامات سياسية متبادلة بين من يعتبرونها انتخابات نزيهة وشرعية وبين من يرونها انتخابات فاسدة من الألف إلي الياء!