الذلة لرب العباد عِزّة.. فهو الخالق وهو العزيز الكريم الغفور العظيم الكبير، بيده كل شيء في هذا الكون، فهو خالقه وبأمره تسير الأمور، فله العزة والعظمة فهو خالقنا ومميتنا وهو من يعيد خلقنا فله وحده التذلل لأن التذلل له عزة، أما ما نراه اليوم من تذلل للعباد فهو بحق أمر مخجل ويحتاج من كل صاحب فكر أو معرفة باختلاف موقعه أن يسهم في تنبيه الناس إلى هذا المنزلق الخطير الذي يجعل من الإنسان ذليلا لإنسان آخر ويرجع ذلك التذلل إلى عدة أسباب لعل أهمها على سبيل المثال لا الحصر: الفقر: الذي يعد سببًا مهمًا من أسباب الذل، خاصة إذا كان الإنسان الفقير يجهل أمور دينه وإيمانه ليس متكاملاً؛ لأن الإيمان يُوجِد في الإنسان عزة النفس والهمة بصرف النظر عن الفقر أو الغنى، ويجعل نظرة الإنسان للمادة نظرة ثانوية، فهو على يقين بأن المال لله تعالى يمنحه من يشاء لحكمة يقتضيها، ويمنعه عمن يشاء أيضًا لحكمة يقتضيها. أما الفقراء البعيدون عن المسار الإيماني الإسلامي فنجدهم ينحدرون للأسف في نفق التذلل من أجل الحصول على المال بأشكال مختلفة قد تصل إلى بيع الذمة والتنازل عن الشرف.. ولهذا فعلى دعاة الخير والمصلحين تنبيه الناس- خاصة الفقراء منهم- إلى الابتعاد عن التذلل وغرس مبادئ عزة النفس والتعفف فيهم لكي لا يقعوا فريسة التذلل للغير. الظلم: وهو أيضا سبب من أسباب الذل عندما يكون هناك حاكم جائر طاغية يبطش بمصائر الناس ويوقع بهم أقصى أنواع العقاب والحرمان من أجل تنفيذ مخططاته ويوقع الظلم بهم، فخوفًا من ظلمه يتذللون له ولزبانيته لكي يعيشون في سلام، وهذا لا يحدث فقط من الحاكم بل يمكن أن يكون بأشكال وألوان أخرى مثل رب العمل الظالم أو الرئيس المسئول الطاغي وله في عصرنا الحديث أشكال أخرى منها ما يمارسه بعض من رجال الأمن والمخابرات، ومنها ما يمارسه من أطلق عليهم العديد من الكتاب مراكز القوى أو القطط السمان.. كل هؤلاء يمارسون ظلمًا مجحفًا يحول الناس إلى أذلاء رغمًا عنهم. الاستعمار: إن مجتمعاتنا العربية عانت وما زالت تعاني من أشكال متعددة من الاستعمار العسكري والاقتصادي والثقافي والاجتماعي والاستيطاني أيضا، فما عاناه الليبيون والليبيات من الإيطاليين من ظلم وتجنٍ وتركيع وتذليل لكرامة الإنسان العربي الليبي المسلم سطره التاريخ كأبشع أنواع المذلة في التاريخ المعاصر، فنحن لا ننسى أبدا المعتقلات الجماعية مثل معتقل العقيلة وغيره، ولا ننسى كذلك الاستيطان الزراعي وإهانة المواطنين الأحرار في مصراتة وطرابلس والزاوية والكفرة وبنغازى والجبل الأخضر "مما يجعلني أشير بهذه المناسبة إلى أن إعادة العلاقات بيننا وبين الإيطاليين يجب ألا نندفع تجاهها أكثر من اللازم، نعم يجب أن تكون بيننا علاقات صداقة واحترام متبادل، ولكن ليس مثل مانراه اليوم من اندفاع غير منظم وغير منضبط وكأننا نتعامل مع دولة وقفت معنا مواقف نبيلة عندما كنا محتاجين إلى أي شكل من أشكال المعونة الغذائية الأساسية.. مما جعلني أتعجب وأقول: "عجيب أمر سياستنا الاندفاعية غير المدروسة". والآن يعاني العرب الذلة في العراق وفلسطين والصومال والسودان من المحتل الأجنبي ومن أبناء أوطانهم من حكام طغاة ظلمة في هذه الأماكن وغيرها، ورغم كل ذلك يجب علينا أن لا نذل أنفسنا لمخلوق مهما كان، ويحضرني قول للسيد قطب: "إن إصبع السبابة الذي يشهد لله بالوحدانية في الصلاة لا يمكن له أن يأبى وينحني ليرضي بانحناءته طاغيةً من طغاة البشر". وأخيرًا أقول عزيزي القارئ: قد نتألم من فقر أو من شح في الموارد أو من ظلم في عدم تكافؤ الفرص أو من مرض أو مهانة من فعل جائر، ولكن علينا أن نعلم أن تألّمنا من الحرمان الذي يقع لنا ليس ذلاًّ، ولكن التحول من الحرمان إلى الهوان هو الذى ينهانا عنه الإسلام، فلنتألم ولنكافح الألم ولكن لا نذل أنفسنا مهما كان الأمر.