ومن الروس إلى الإنجليز الذين استعانوا أيضا بالبهائية وزعمائها فى حربهم ضد الدولة العثمانية وبعض مستعمراتها فى الشرق، ولذلك احتضنها المستشرقون الإنجليز وروجوا لها، بينما قام زعماء البهائية - وأولهم البهاء - بإرسال الرسائل التى تحمل دعوته البهائية إلى حكام العالم ومنهم إيران وتركيا وروسيا وبروسيا والنمسا وألمانيا وانجلترا، والوقائع التاريخية تشير إلى أن الذى قام بنشر كتاب البهائية (الأقدس) لأول مرة هو المستشرق اليهودى تومانسكى، وذلك فى سنة 1898، فى نفس العام الذى انعقد فيه ببلدة أكسفورد ببريطانيا المؤتمر الثالث لتاريخ الأديان، وقدمت الباحثة (أثيل روزنبرج) فى هذا المؤتمر بحثها فى الديانة البهائية وتعاليمها الخلقية والاجتماعية ، وفى عام 1908 نشر اليهودى (هيبولت درايفوس) كتابا فى باريس بعنوان (البهائية: تاريخها وقيمها الاجتماعية). وكما فعلت روسيا من إسباغ حمايتها على الباب ومن بعده البهاء، تولت انجلترا إسباغ حمايتها على البهاء وخلفه، بل ومنحت الأخير (عباس عبدالبهاء) وسام فرسان الأمبراطورية لجهوده فى دعم بريطانيا فى مواجهة دولة الخلافة الإسلامية (الدولة العثمانية) وتم منح عبدالبهاء هذا الوسام فى حفل كبير أقيم بمقر الحاكم البريطانى فى حيفا. وعند حصار حيفا أرسل اللورد كرفت تقريرا إلى الخارجية البريطانية يلفت فيه نظرها إلى أهمية الحفاظ على حياة عبد البهاء (المقدسة) كما طالب اللورد بلفور- وزير الخارجية البريطانية صاحب الوعد الصيهونى الشهير- من الجنرال اللنبى وضع إمكانيات القوات البريطانية فى فلسطين فى حماية حضرة البهاء ورفاقه، ورد عبد الباء الجميل بالهجوم على الدولة العثمانية لأنها لم تعمل على المساواة بين العرب واليهود فى فلسطين (لصالح اليهود بالطبع). وحين توفى عبد البهاء فى نوفمبر 1921 أرسل تشرشل - وزير المستعمرات البريطانية فى هذا التاريخ - برقية إلى حاكم فلسطين السيد هيربرت صموئيل يطلب فيها إبلاغ آل البهاء والبهائيين عامة تعازى الحكومة البريطانية ومشاركتها لهم الأحزان لفقد (السيد عبد البهاء العظيم) وحين تمنح بريطانيا عبد البهاء هذا اللقب فهى تمنحه أرفع أوسمتها، اعترافا منها بجليل خدماته لها، وهو نفس الأمر تقريبا الذى فعلته اليهود والصهيونية مع البهائية وزعمائها حيث احتضنت ناشطيها البارزين وساعدتهم على الترويج لأفكارهم. وفى حركة اليهود الدؤوبة فى البحث عن حلفاء لهم يدعمونهم فى مشروع إنشاء دولتهم فى فلسطين، وجدوا فى البهائية نموذجا لهذا الحليف (الدينى والاجتماعى) فى منطقة الشرق الأوسط تلك التى يسكنها المسلمون والمسيحيون وحيث يرفض عقيدة وميراث الأخيرين المشروع الصهيونى بينما تتماس هذه العقيدة - كما أسلفنا - مع العقيدة اليهودية. وعن العلاقة المباشرة بين البهائية واليهود من سكان فلسطين قيل إن المحفل الرئيسى للبهائية فى عكا أقيم بأموال تبرع بها اليهود، وإن عباس أفندى(عبد البهاء) كان يستقبل زعماء الحركة الصهيونية فى مقره بجبل الكرمل، وأن البهائيين قاموا بدور تبشيرى لصالح الصهيونية فى العالم العربى بل قاموا باقتفاء أثرهم فى دعوتها للخلاص بالعودة إلى أرض الميعاد (فلسطين) وبهذا الخصوص كتبت لجنة تقصى الحقائق التابعة للأمم المتحدة وقبل قيام دولة إسرائيل ، "إن علاقة البهائيين باليهود فى فلسطين هى أعمق من علاقة المسلمين بفلسطين، وأن البهائيين يدعمون تشكيل دولة صهيونية". وفى أحد كتب عبد البهاء عباس أفندى كتب الآتى: "أنت تلاحظ وترى أن طوائف اليهود يأتون إلى الأرض المقدسة من أطراف العالم، ويمتلكون القرى والأراضى ويسكنون ويزدادون يوما بعد يوم حتى تصبح جميع أراضى فلسطين سكنا لهؤلاء" وكان عباس أفندى يرى فى ذلك النجاح الذى بدأ اليهود يحققونه فى فلسطين على عهده دليل على عظمة سلفه البهاء وعظمة دورته الإلهية! وفى 30 يونيو 1948 عقب إعلان الدولة اليهودية بعث الزعيم البهائى حفيد البهاء ، شوجى أفندى برسالة إلى بن جوريون - أول رئيس لدولة إسرائيل - يعبر فيها عن أطيب تمنياته من أجل رفاهية الدولة الجديدة، مشيرا إلى أن أهمية أن يتجمّع اليهود فى مهد عقيدتهم . ولن تستطيع الآلة البهائية الدعائية أن تنكر مثل هذه العلاقات حتى ولو قالت إن البهائيين دخلوا فلسطين قبل قيام دولة إسرائيل بسنوات طويلة ، فالأيام دارت والعلاقات قامت وتوطدت تفضحها الأخبار الصادرة عن المجتمع والنظام البهائى نفسه، ففى المجلة البهائية التى تصدر عن المحفل البهائى العالمى فى عددها الخامس الصادر سنة 1950 نشر الخبر التالى: "لقد تعّرف أيادى أمر الله - أعضاء المجمع البهائى - إلى رئيس الجمهورية الإسرائيلية والسيدة عقيلته فى المركز العالمى، وقد ذكر جناب الرئيس والسيدة عقيلته أنهما سبق لهما زيارة المولى أمر الله العزيز وتذكرا طوافهما بحقول وبساتين جبل الكرمل فى سنتى 1909-1911 واجتماعهما بحضرة عبد البهاء. وبدورها اعترفت حكومة إسرائيل باستقلال العقيدة البهائية، وأقرت بها لتسجيل عقد الزواج البهائى، كما أقرت ما سبقتها إليه سلطة الانتداب البريطانى من إعفاء جميع الممتلكات البهائية من الضرائب والرسوم، وزادت على ذلك إلغاء جميع الأوقاف الإسلامية فى مروج عكا وجبل الكرمل ومنحها لهذه الطائفة لبناء المقام الأعلى للبهائية، وأقرت بصورة رسمية الأيام التسعة المباركة فى شريعة البهائية. واجتمع ممثلو البهائية العالمية سنة 1951 برئيس الكيان الصهيونى (بن جوريون) ونشر خبر عن هذا الاجتماع فى مجلتهم الأمرية، أعربوا فيه عن امتنانهم وامتنان الجامعة البهائية للمعاملات الودية من الحكومة الإسرائيلية مع البهائيين وتقديرهم لما تبذله الحكومة الإسرائيلية من عناية وتفهم فى حق قضايا البهائيين وتمنوا ازدهار إسرائيل. وفى سنة 1953 نشرت نفس المجلة خبرا عنوانه (بشارة عظمى) يقول متنه: لقد اعترفت الحكومة الإسرائيلية بفرع المحفل البهائى الإيرانى فى إسرائيل، وقد تم بالفعل تسجيله وأصبحت له شخصية حقوقية، وقد قال اليهكل المبارك - شوجى أفندى - إن لهذا الأمر أهمية كبرى فلأول مرة فى تاريخ هذه العقيدة يسجل فرع لها فى بلد يعترف به رسميا، مع أن أصل المحفل فى مؤسسته المركزية بإيران لم يعترف به ولم يسجل وليست له شخصية حقوقية. وفى نوفمبر 1957 نشرت ذات المجلة مقالا لأرملة شوجى أفندى الأمريكية - روحية ماكسويل - قالت فيه: إن مستقبلنا ودولة إسرائيل كحلقات السلاسل متصل بعضها ببعض. وفى شهر أغسطس 1964 قام رئيس دولة إسرائيل بالزيارة التقليدية للمركز البهائى، ونشرت مجلتهم هذا الخبر، وأضافت " وقدم حضرة الرئيس دعواته وتحياته لجميع البهائيين فى العالم، وبعد استلامه هدية الذات المباركة أرسل رسالة يعبر فيها عن عواطف الصداقة والتقدير التى يكنها للجامعة البهائية". وللبهائيين فى الدول الإسلامية أو فى العالم أن ينكروا ما شاءوا عن علاقتهم بإسرائيل أو بممارستهم للعمل السياسى، لكنهم لن يستطيعوا أن ينكروا ما يمكن أن نفهمه بشىء قليل من التفكير وإعمال العقل، والذى يمكن أن يقودنا إلى أن البهائية بدعوتها تتصادم مع الإسلام، وتلتقى بأعدائه (الروس- البريطانيين- الصهاينة) أيا كان هذا العدو، والذى بدوره أسبغ عليهم دائما حمايته التى فقدوها فى البلدان ومع السلطات الإسلامية، ولقد عبر الزعيم الثالث للبهائية عن هذا تماما حينما قال فى كتابه (البديع) المجلد الثالث : "على إثر الاحتلال البريطانى للأراضى المقدسة تمكنا من التخلّص من المخاطر الجسيمة التى كنا نتعرض لها 65 سنة، وانجلى بدر الميثاق الذى كان مخسوفا بالمحن والبلاء". إذن فمن الطبيعى أن يرتمى البهائيون فى الأحضان الآمنة. أما المفاجأة التى سوف تكشفها الأيام القادمة فهى أن البهائية مرشحة لدور آخر تخريبى أكبر من الدور الذى قامت به فى فلسطين، وهذا الدور بدأ بالفعل مع نهاية القرن العشرين، وتم تدشينه مع مطلع القرن الحادى والعشرين أو قبل ذلك بقليل.