يأتي رمضان كل عام بفرحة خاصة وروحانيات راقية تسموا بمشاعر الإنسان وترتقي بأخلاقياته، ويهتم معظمنا بالجاني الروحاني ، حيث الصلاه وقرآءة القرآن الكريم ، وأخراج زكاة الفطر وغيرها من العبادات المحمودة في هذا الشهر ، ويغفل كثيراً منا عملية مراجعة النفس ، ومحاسبتها ،ومعرفة الأمور التي قصر فيها المسلم في العام المنصرم ، من قطيعة رحم ،وظلم ذوي القربي،وحتي التقصير في جواني شخصية وحياتية كان ينبغي عليه أن لايقصر فيها وهنا تأتي عملية المراجعة والمحاسبة اليومية والأسبوعية والشهرية والسنوية ، وهاقد أتت الفرصة في رمضان لكي يقدم كل منا كشف حساب مع النفس ويصدق معها حتي يتخلص من عيوبها وأدرانها . وهنا يجيئ خطاب المراجعة عاماً،ليخاطب به الإسلام عقل المسلم ،وليراجع الإنسان نفسه ومواقفه في كل الأشياء التي تمر به في حياته سواء اليومية(المادية، عالم الأشياء) أو بعلاقة الإنسان المسلم بربه وخالقه سبحانه وتعالى، لذلك اهتم كثير من دعاتنا الكرام بالدعوة إلى فقه المرجعة ومراقبة النفس ومحاسبتها على ما قامت به في اليوم والليلة والمرجعات "جمع مراجعة" وهي من "رجع" بمعن عاد، والرجوع العود إلى البدء سواء أكان بدءا حقيقيا أم تقديريا و"رجع الكلام" الإجابة عنه ويقال للكلام المردود كلام رجيع اى مردود . مفهوم المراجعة في الإسلام يقول المولى عز وجل {يأيها الذين امنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد} الآية 18 الحشر وفى الآية إشارة إلى المراجعة والمحاسبة بعد مضى العمل. لذلك قال عمرين الخطاب (رضي الله عنه): [ حاسبوا أنفاسكم قبل إن تحاسبوا وزنوا إعمالكم قبل إن توزنوا] والمسلم الذي عرف ربه حق المعرفة هو الذي يراقب ويحاسب نفسه على ما قدم من الأعمال وان تكون له ساعة يطلب فيها نفسه في آخر النهار،يحاسبها على جميع ما كان منها . وتحقق لأرباب البصائر أنهم لا ينجيهم من هذه الأخطال إلا لزوم المحاسبة لأنفسهم وصدق المراقبة ،فمن حاسب نفسه في الدنيا ، خف يوم القيامة حسابه، ومن أهمل المحاسبة والمراقبة أو المراجعة دآمت حسرته قال تعالى{يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوءٍ تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا، ويحذركم الله نقسه، والله رءوف با لعباد}الآية 30 آل عمران وقال تعالى{ ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصها،ووجدوا ما عملوا حاضراً،ولا يظلم ربك أحدا}الآية49الكهف لذالك أمرنا المولى عزا وجل بالتفكير والتدبر و اثني على المتفكرين في قوله تعالى{ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما حلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار}الآية191آل عمران وقال تعالى{إن في ذالك لآيات لقوم يتفكرون}الآية3الرعد وقوله{سأصرف عن ءاياتى الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق وإن يروا كل ءاية لا يؤمنوا بهاو إن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلاً،ذالك بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين}الآية146الأعراف ويحدث للإنسان مواقف كثيرة وعندما يراجع المرء فيها نفسه يتبين له الخطأ فيرجع إلى الصواب،ويقدم على التوبة ويعتذر لمن أساء إليهم، وإذا كان الذنب متضمنا لحق آدمي،فعلى التائب أن يصلح ما أفسده أو يسترضى ممن أخطأ في حقه، فما بالنا لو كان هذا الذنب يخص الخالق سبحانه وتعالي ،إذ يفتئت الإنسان على ربه قضايا وأحكام ما انزل الله بها من سلطان، يتصور بها أنه علي صواب وحق ، لذالك نجد بعض علماءنا ومفكرينا أسسوا مادة دراسية في الجامعات أسموها "مراجعات فى الفكر والتراث الإسلامي " وقد كانت لها فوائد جمة ،والشيخ/سليم البشرى "يرحمه الله"ترك تراثا مهما أطلق عليه"المراجعات "لقضايا كان يراجعها ويحاور بعض العلماء والأمة فيها ،وينقل عن خط عبد الله بن مسعود"رضي الله عنه"إن أعرابياً جاء يستفتيه فأفتاه باجتهاد ثم أكتشف بعد ذهاب الأعرابي خطأه فأصرا على أن يبحث عن الأعرابي ليصحح له فتواه ،وقد شاع بين أهل الاجتهاد والفتوى آلا يفتى العالم باجتهاده احد إلا إذا وثق في الوصول إليه لتصحيح فتواه قبل العمل بها إذا اكتشف خطأه،ولدينا تراث أدبي كبير فى آداب رجوع العلماء عن أقوالهم بل يمكن لنا إن نقول أنهم تركوا لنا مناهج للمراجعات وفقهاً ً مهماً لاشك أنه ثروة كبيرة لو تم استخراجها وتدريسها لطلبة العلوم الشرعية لعادت عليهم بفوائد عظيمة كما يقول د/طه جابر العلوانى وله كتاب هام فى هذا الصدد"مرجعات في الفكر والتراث الإسلامي ". في لجة بحر الفتن التي تموج بالأمة ربما كان من أصعب الأمور أن يمسك الحصيف بقلم ليخط بالكامل ما يدور في خلجات نفسه من اضطراب وعدم وضوح رؤى على المستوى القريب. ولكن الرجال مواقف ولابد لكل عاقل أن ينظر لنفسه موقف ثابت وركن شديد يؤوي إليه حين تعصف العواصف. وهاقد أتت الفرصة المناسبة، واللإستعداد النفسي في هذا الشهر الكريم فمن المناسب في هذا المقام أن نعرف أنه من الصواب مراجعةالمواقف التي حدثت في هذا العام والأعوام المنصرمة وتمحيص الواردات الفكرية ونبذ ما تبين عدم صلاحيته منها والثبات على ما تبين أنه الأصلح والأنفع للأمة بالمنظور القريب والبعيد ، وعملية المراجعة هنا ليس المقصود بها الجوانب السلببية فقد يكون هناك جوانب إيجابية يراجعها الإنسان للثبات عليها وتدقبقها وتمحيصها أكثر، ومن هنا كانت عملية المراجعات إما أن تسمو بصاحبها لأنها تفصح عن شخصية رجّاع للصواب، باحث عن الحق، متبع له، وأما إذا أدخلت هذه المراجعات في الثوابت والمبادئ فإنها تحط من شأن صاحبها إذ أنها لا تسمى حينها مراجعة بل نكوص عن الحق وتنكر له، ويتأكد هذا الأمر فيمن يصدر الناس عن رأيه ويأخذون عنه، ولعل مما يستأنس بذكره في هذا المقام قصة جلد الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله.. إذ أنه لما طُلب منه التراجع عن رأيه وقت جلده، كان يقول له أحدهم إن الناس في الخارج قد أمسك كل منهم بكاغد وقلم لينقل عنك ما تقول.. فكان يثبت على الحق الذي معه مخافة أن يصدر الناس عنه غير آبهين بموقفه الذي تراجع فيه عن رأيه ولهذا قيل إن للثبات على المبادئ رجال وللرجوع عن الباطل أيضاً رجال . كم يسرا لله لنا التوبة ،ولكننا نصر علي التقصير ، ففي هذا الزمان وقد إستحكمت الغربة ، يجب علينا أن نراجع ديننا ونؤدي حق ربنا ويهتف كل واحد منا و(عجلت إليك لربي لترضي) فهيا بنا لنخرج الدنيا من قلوبنا وتكون لنا ساعة نحاسب التقصير داخلنا . ولنكتسب حسن الخلق ولنجاهد اللسان حتي لا يحبط عملنا ، ولنجعل همتنا عالية .... ولنعتبر رمضان فرصة لإصلاح النفس وتربيتها علي الخشوع والتدبر والسكينة، لقدأختص الله رمضان دون سائر الشهور بنزول القرآن الكريم، قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ } البقرة: 185، لذلك يجب أيضاً أن نختص رمضان بهذه العملية من المراجعة والمحاسبة. ولاننسي أن يصاحب هذه الأعمال النية ، حتي نأخذ الاجر الكامل منه سبحانه وتعالي . أنه ولي ذلك والقادر عليه.