في وسط دوامة الحياة، وبين الأشياء الكبري والتفاصيل الكثيرة، تتوه أحياناً بعض الأشياء المهمة، تماماً مثلما يتوه "الابن الأوسط" بين ما يحصل عليه "الابن البكري" من مميزات، وما يناله "الابن الأصغر" من عطف وحنان، علي الرغم من تساويهم جميعاً في المحبة والود من الوالدين.. وقد يستغرقنا الوقت أحياناً، فلا نكتشف أن ما أهملناه قد يكون أكثر أهمية من الأشياء التي اهتممنا بها، أو علي الأقل مساوياً لها.. وهذا الاتجاه البشري، والميل العام، في تعامل الناس مع الأشياء المادية، يصدق أيضاً في تعاملهم مع الأمور الدينية الروحية، وفي العبادات.. عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما أنه سأل النبي صلي الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله لم أرك تصوم شهراً من الشهور ما تصوم في شعبان، فقال صلي الله عليه وسلم: "ذلك شهر يغفل عنه الناس بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلي الله تعالي فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم. وكان الرسول صلي الله عليه وسلم يصوم شعبان إلاّ قليلاً كما أخبرت عنه عائشة رضي الله عنها في الحديث المتفق علي صحته. شبيه بشهر شعبان أيضاً، أن يهتم الناس بزكاة الفطر (في رمضان) وبذبح الفدية (في المحرم) دون الالتفات إلي أهمية الأنواع الأخري من الزكاة، والأنواع المختلفة من الصدقات، علي أهميتها البالغة، وعلي ضرورتها أحياناً لاستمرار الحياة البشرية.. وفي مجال العبادات، يهتم كثير من الناس بالصلاة والزكاة، وينسون المعاملات مع البشر، رغم أن الصلاة تنهي عن الفحشاء والمنكر والبغي، والزكاة هي وسيلة اجتماعية للتواصل بين البشر ، ولنشر الحب بينهم.. غير أننا ننسي أحياناً الهدف ونكتفي بالوسيلة.. وفي مجال العمرة، يهتم الناس بأداء العمرة في أوقات معينة، كأن تكون في العشر الآواخر من شهر رمضان، أو في الإسراء والمعراج، والنصف من شعبان وغيرها.. وكأن العبادات أصبحت مواسم، ويتركون بقية الشهور فقيرة نسبياً مقارنة بها.. يجب علي كل إنسان منا، أن يفتش في جدول أيامه وفيما يفعله عن الأشياء التي ننساها، أو ينسينها الشيطان، وأن يعوض هذه الأشياء، فقد تكون أكثر فائدة من الأشياء التي يتذكرها، ولعل شهر شعبان أن يكون مذكراً لنا، وباعثاً لنا علي الحركة.