يروي فاليري كوزنتسوف ابن سكرتير لجنة مقاطعة لينينغراد للحزب الشيوعي السوفيتي سابقا الذي استضافه برنامج " حديث اليوم" ذكرياته عن حصار لينينغراد في ايام الحرب العالمية الثانية والذي دام 900 يوم وصمود اهاليها والمدافعين عنها امام غارات وقصف العدو والكوليرا والمجاعة..وأجاب عن اسئلة مندوبنا قائلا: - كنت طفلا صغيرا أيام حصار مدينة لينينغراد. ماذا تتذكر عن المدينة المحاصرة في تلك الأيام الصعبة؟ - انطباعات الطفولة التي ترسخت في ذاكرتي مرتبطة بتواجدي في الخط الأمامي للجبهة، حيث كان أبي يتفقد بشكل دائم مختلف المواقع العسكرية وأنا كنت برفقته. وكما كان يكتب معاصرو والدي، فقد كان يهدف بأخذي معه إلى رفع معنويات العسكريين والمدنيين، لأنه كان واثقا من انتصارنا الوشيك طالما أنا برفقته في المدينة المحاصرة. ومن الذكريات الأولية الراسخة في ذاكرتي.. هو استجواب أول الأسرى النازيين. وأنا حضرت هذا الاستجواب في أحد الخنادق. وسألني مساعد أبي: من من الأسرى النازيين يجب إعدامه؟ فوجئت بالسؤال. ولكن بعد ذلك أشرت إلى أحد ضباط الصف، وكان أشقر يرتدي زي الوحدات الخاصة بالحزب النازي. فرد على الفور بأنه لم يطلق الرصاص على قواتنا. بل كان يطلقه فوق رؤوسهم. وبعد عدة أيام قالوا لي إن هذا العسكري النازي كان يشارك في إعدام أفراد قواتنا والمدنيين الذين كانوا يتهمون بالتعاون مع الفدائيين وقوات المقاومة. هناك حكاية أخرى من الطفولة، حيث تولدت لدى هواية جمع شظايا القذائف. هذه الشظايا كنت أجمعها وهي لا تزال ساخنة. ومع نهاية الحرب اكتشفت أنني أملك صندوقين كاملين من هذه الهدايا والتحف. - خلال السنة الأولي وهي أصعب سنة للحصار لقي مصرعهم 780 ألف شخص من سكان المدينة الذين بلغ عددهم 3 ملايين. بماذا يمكنكم تفسير، على عكس العديد من الحالات الأخرى من المجاعة، كيف تم التغلب على أوبئة مثل الكوليرا والتيفود والتيفوس ؟ -ظروف المعيشة في لينينغراد كانت منظمة ومضبوطة. وعلى الرغم من المجاعة القاسية، كان النظام يعم المدينة. وكانت الشوارع تنعم بالنظافة. وكان الناس يشاركون في الأعمال التطوعية على الرغم من المجاعة. كانوا ينظفون الشوارع والميادين والساحات أولا بأول من الجثث. كان الناس يسقطون موتى أثناء سيرهم في الشوارع. وكانت الفرق الخاصة تتردد على البيوت لتتأكد من سلامة أصحابها. وكانوا يقدمون المساعدات الطبية الأولية، لأن الأمراض التي تتحدثون عنها كانت كثيرا ما تتفشى بنتيجة وجود الجثث في الشوارع والبيوت. ولذلك كنا نسعى إلى دفن الموتى بأسرع ما يمكن. وكانت هناك وحدات هندسية خاصة بحفر المقابر الجماعية لدفن الجثث على الفور. وبالتالي كان أغلب الناس يموتون من المجاعة وليس من الأمراض والأوبئة. - استغرق الحصار حوالي 900 يوم، أي حوالي 3 سنوات، وتعرض سكان المدينة خلاله للهجمات والغارات الجوية المستمرة وهو الأمر الذي أصبح محنة قاسية لهم. برأيكم ماذا ساعدهم على الصمود؟ -كان سكان مدينة ليننغراد يحبون وطنهم ومدينتهم. كانوا يؤمنون إيمانا راسخا بأن المجاعة والصقيع والأمراض عوارض مؤقتة وعابرة. وأن الحصار سيرفع وسيتم طرد النازيين، وستعود الحياة الطبيعية إلى المدينة. كان هذا الإيمان، وكل ذلك الحب، هما العاملان الأساسيان في ترسيخ الصمود والتحدي وتعزيز روح المقاومة لدى المدنيين والعسكريين على حد سواء. لنتصور ناس مجبرون على المعيشة الجماعية، والموت الانفرادي.. ماذا يجبرهم، في تلك الظروف اللاإنسانية على العمل التطوعي وتنظيف الشوارع؟ هذا يعني أن الأزمة ولدت لديهم الحس بالتعاون وروح العمل الجماعي والشعور بأداء الواجب الروحي من أجل تحسين الأوضاع المعيشية في المدينة المحاصرة تماما. كل تلك الصفات التي تجلت بنتيجة المحنة ساعدت على مواجهة الحصار.