■ فى تقريرها الأخير أعلنت منظمة الشفافية الدولية والتى تهتم بالبحث عن معدلات الفساد فى دول العالم سواء العظمى منها أو دول العالم الثالث ، أن الفقراء لهم النصيب الأعظم ضمن من يقومون بدفع الرشاوى بصورها المختلفة خاصة فى الدول النامية وأن النسبة العظمى فى تلك الرشاوى يتم دفعها ليس لخروجهم من الفقر أو الحصول على مقعد ضمن الأغنياء لا سمح الله ، ولكن لكى يحصلوا على أبسط الخدمات التى من المفروض أن الدولة توفرها لهم مجانا أو برسوم مخفضة لأنهم مواطنون ولهم الحق فى الحياة وتتركز فى الحصول على خدمات التأمين الصحى واستخراج المستندات الرسمية من أجهزة الدولة وتأدية الأمور اليومية من تراخيص وسداد رسوم وخلافة ، ولما لا فالأغنياء ليهم من يقيهم عن سداد تلك الرشاوى بما لديهم من نفوذ سواء كان نفوذ السلطة أو نفوذ المادة التى طغت فى الأعوام الأخيرة على السلطة وكما يقول محمد سعد (الجنيه غلب الكارنيه) فى مقولة قد تبدو ساذجة ولكنها تحمل بداخلها الكثير من المعانى . وزيادة الفساد فى دول العالم الثالث يأتى من أساليب القمع وإحكام السيطرة التى تفرضها الحكام على شعوبهم ، وأيضا فى عدم دراية أبناء تلك الشعوب بحقوقهم أو حتى كيفية الحصول عليها ، هذا بخلاف كثرة وتضارب القوانين والثغرات التى تحويها وصعوبة تطبيقها ، ويأتى هنا دور الفهلوة فى تقديم الحلول مقابل دفع الرشوة " وأهو كله بيسترزق " والرشوة والفساد لا يقتصران على الدول المتخلفة أو النامية فقط ولكنه طال الدول العظمى ، ومن منا لم يسمع عن فضائح الإنجليز فى صفقات شهيرة مع السعودية ، وتورط الامريكان فى صفقات مشبوهة مع إسرائيل وغيرها فى دول الخليج ، ولكننا نجد أن الرشوة فى الدول العظمى تدفع من العظماء ليزدادوا عظمة وغنى ، ولكن أفراد الشعب العاديين يعلمون حقوقهم جيداً ولا أحد يجرؤ على التلاعب معهم فيها فهى بالنسبة لحكوماتهم خط أحمر لا يمكن الإقتراب منه . وإذا كانت مثل هذه المنظمات الدولية تعمل على حصر وتحديد نسب الإنحراف والفساد إلا أنها لن تستطيع أن تحارب هذا الفساد أو حتى تحد منه ، ولكن من يستطيع أن يفعل ذلك هم أبناء هذه الشعوب أنفسهم بداية من قدرتهم على إختيار حكامهم بنزاهة وشفافية وصولاً إلى التزام هؤلاء الحكام بتقديم الخدمات الأساسية للمواطنين بشكل يضمن حصولهم عليه بدون معاناة وبدون أن يضطروا لدفع الجزية وكأن الفقراء مكتوب عليهم الفقر فى كل شئ فى المال والصحة وحتى التعليم ومن بعد ذلك فى الحصول على لقمة العيش وحياة كريمة ، ونجد أن الاغنياء أيضا مكتوب عليهم الغنى والأبواب المفتوحة أمامهم ، وطبعا هما مش مضطرين لدفع الرشوة لصغارالموظفين "لأنهم لا يعرفون طريقهم" ولو اضطروا لدفع الرشوة بتكون على مستوى الدول العظمى والغرض منها ترسية مناقصة أو إسناد مشروع أو حتى تخصيص المساحات الشاسعة من الأراضى بتراب الفلوس ، وبعد ذلك يأخذون تصريحاً لإقامة مشروعات ليجنوا ثمار الرشوة المدفوعة أضعاف مضاعفة وإذا استمر الحال على ما هو عليه فى تلك الدول فلا سبيل لديها فى أى إصلاح سواء كان على مستوى اجتماعى أو اقتصادى لأن أى أصلاح لا يقوم على العدالة هو إصلاح وهمى لا يخرج من كونه تصريحات وردية فى الجرائد ووسائل الإعلام ، فالإصلاح هو نابع من داخل الناس أنفسهم ولا تستطيع أى حكومة مهما ملكت من إمكانيات أن تصلح إلا إذا عدلت عن الكيل بمكيالين وتراجعت عن المحسوبيات وفهمت معنى كلمة شفافية التى يتشدق بها كل من يعتلى كرسى السلطة دون أن يعلم ما هو معنى الكلمة أو حتى يسعى لتطبيقها .