■ قد يكون عنوان كلمتى مثل شعبى قديم , وقد تكون مجرد منقولة , ولكن فى النهاية الثقة هى عنوان الحل فى هذا البلد , فالثقة المفقودة بين كافة أفراد الشعب بمختلف فئاته وطوائفه من جانب والحكومة والحكام من جانب أخر هى السبب الرئيسى فى تعطيل عجلة التقدم والتنمية , وربما لفقد العديد من موارد الدولة أو حتى عدم استغلالها الاستغلال الأمثل . دعونا خلال السطور التالية نسرد بعض عناصر تلك الثقة المفقودة وأسبابها وكيف كانت فى الماضى وما اصبحت عليه الأن . بعد ثورة يوليو 52 وإعلان مصر الجمهورية وخروجها من عباءة الملكية كان الحاكم يمثل للمصريين الإله الاعظم وصاحب الكلمة العليا وكانت الثقة فيه وتابعيه عمياء , والجميع على استعداد للأستمتاع إليه والتصديق على كلامه بامين حتى بدون تفكير , وربما تلك الثقة أتت إليهم من إحساسهم بأنه من يحكمهم هو ابن من أبناء البلد بعد ان عاشوا زمن الاحتلال والإستعمار وحكم الغير وربما لقرب المسافة وقتها بين الحاكم وحكومته وبين طبقات الشعب ومراعاتهم للبعد الاجتماعى كان ذلك يظهر جليا فى حرص الحاكم على الالتحام بجموع الشعب والظهور أمامهم واقترابه منهم حتى أنهم حسوا به وعرفوا ملامحه جيدا عن قرب . وعلى الرغم من وجود العديد من التجاوزات فى هذا العهد إلا أن الثقة لم تفقد وظلت حتى نهاية العصر , وامتدت لسنين وبدأت الفجوة تتسع بين من يحكم مصر وتابعيه ومختلف الفئات اللهم إلا القلة القليلة من أصحاب النفوذ ورؤوس الأموال التى لديهم فقط الصلاحية أو الفرصة للأقتراب , ومع الزيادة حدة التوتر أصبحت العلاقة شبه منعدمة بين الحاكم والشعب وليس ذلك فقط بل اصبحت أيضا بين أفراد الحكومة والشعب وظهر منها فقط تلك المواكب التى تعبر الشوارع ولا يعرف العامة من بداخلها اللهم إلا لو كنت متابعا جيدا لتلك المواكب لتعرف أن كل شخصية فى الحكومة لها طابعها الخاص وحسب الحراسات المصاحبة للمواكب , وهنا أصبحت علاقة المواطن بالحكومة هى علاقة إستياء ونقم على العطلة والعذاب الذى يعانيه الجميع من جراء مرور تلك المواكب فى شوارع العاصمة التى تعطل حركة السير وتؤخر الناس عن أشغالها لأنها تختار أوقات الذروة ونجدها فى الشوارع وكأنها تتعمد التعطيل وإزداد الغيظ والغل واصبحت لغة الشارع أن الحكومة غاوية تنكد علينا حتى فى المرور .. هذا ما يخص تطور العلاقة . أما عن الثقة فنتخذها فى عدم تصديق أى تقارير أو أخبار تصدر عن الحكومة فالشباب يسعى للسفر للخارج وينفق فى سبيل ذلك إلى درجة الموت ليس سعيا وراء الرزق ولكن سعيا وراء أحلام وأوهام ناس عادية رسمت لها صورة وردية لجنة العالم الخارجى والجميع يصدق ليس اقتناعا منه بمافيا التسفير للخارج ولكن عدم ثقة فى بلدة والقائمين عليه حتى أنه يقول نار الغربة ولا جنة بلدى والنتيجة بطالة وموت بالجملة وفلوس بتروح والناس قاعدة فى بيوتها مش عايزة تشتغل فى بلدها وهدفها كله فى الخروج بأى ثمن . صورة أخرى من توظيف الأموال والعودة مرة أخرى بعد أن أنتهت فى الثمانينيات وعلى الرغم من انها تختفى خلال العشرين سنة السابقة , ولكن لم تظهر علينا بنفس هذا الكم الذى شاهدناه خلال العامين الحاليين ولم تكن تتعدى حالات فردية بين العائلات و الأصدقاء أو الجيران ولكن لماذا يلجأ الناس لذلك ؟ لعدم ثقتهم فى الحكومة وفى تصريحاتها ولا اقتناعهم التام حتى الأن أن تدخل الحكومة من الثمانينات هو اللى خرب بيوتهم وأن شركات توظيف الاموال مظاليم وكانوا ملتزمين ويوزعون أرباحا بالجملة 20 و 25% وأن الحكومة هى اللى غارت منهم قضت عليهم وخذوا فلوس الناس الشقيانة فى الخليج والغربة ومنهم لله , ونتيجة لهذا الترسيخ فى عقول الجميع تلاقى الناس هى اللى بتدارى على ظاهرة توظيف الأموال وبتحامى عن اللى بيقوموا بيها فى مواجهة الحكومة . عندما تعلن الحكومة عن برنامج إصلاحى معين أو تصدر عنها أى قرارات منظمة للسوق تجد أن المعارض الأول هو أفراد الشعب ليس لعدم الإقتناع بقراراتها ومبرراتها لكن لعدم الثقة ونجد الناس فى الشوارع بتسرق كابلات الكهرباء وبتخرب فى الشوارع والأرصفة وغيرها الكثير من السلبيات , والسبب هو عدم الثقة فى الحاكم والحكومة والحل فى النهاية مش فى الإصلاحات أو جذب الإستثمار أو حتى بناء عاصمة جديدة أو أى برنامج أو تجربة نجحت فى أى دولة فى العالم الحل فى إعادة الثقة بين الشعب والحكومة حتى تتحقق المقولة قيراط ثقة ولا فدان وعود .