الحب هو كلمة ذات معنى شامل رغم محاولة البعض حصرها فى الجانب العاطفى بين الرجل والمرأة أو الحب الأبوى بين الأباء والأبناء والعكس. إلا أن الكلمة رغم بساطتها تحمل داخلها معانى كثيرة تشمل زوايا وأنواع متعددة , و إذا كان الحب بين الرجل والمرأة فى معظم الحالات يقود إلى علاقة أبدية ينتظر منها تحقيق أحلام و طموحات الطرفين , نجد أن حب العمل هو علاقة حميمة بين الشخص وما يؤديه من عمل نتائجه لا تقل أهمية عن نتائج الحياة السعيدة المستقرة بين شخصين. و إذا تمعنا فى كلمة الحب نجدهل تحمل بداخلها معانى الرضا والسعادة والقبول و الإستقرار النفسى والعديد من المعانى الجميلة التى يصعب على أى شخص حصرها فى سطور , و بالعودة إلى الموضوع الأصلى وهو حب العمل نجد أن أولى خطوات النجاح فى تنفيذ الأعمال هو حب الشخص لما يؤديه بغض النظر عن نظرة الأخرين لهذا العمل وطبيعته, فلا يوجد عمل مهما كان غير مؤثر فى المجتمع فالمؤكد أنه قيمة مضافة وله أثر فى استمرارية الحياة وتوازن المجتمع. ولحكمة يعلمها الله وحده خلق بنى آدم متفاوتين فى الدرجات حتى يحفظ لهذا الكون توازنه واستقراره , حيث أن وجود فئات مختلفة داخل المجتمع الواحد هو أمر صحى جداً لاستمرار تعايش المجتمع واكتفائه بأهله , فلا نستطيع تخيل مجتمع بأكمله من أصحاب الأعمال وإن تحقق هذا فمن الذى سيعمل , و كيف يستطيع أصحاب الأعمال إنجاز أعمالهم؟ (صناعتهم أو تجارتهم أو حتى زراعة أراضيهم). فتحول المجتمع كله إلى أصحاب أعمال سيوجد معه مشكلة كبرى وهى عدم القدرة على مواجهة التوسعات فى الأعمال وستتحول الشركات إلى عائلات فقط , فمن يملك مشروعاًً سيقوم بأدارته هو و أفراد أسرته و لن يسمح النظام بإقامة شركات عملاقة لها القدرة على المنافسة وبالتالى تحقيق الطفرة الإقتصادية للوطن الذى نعيش ونعمل فيه , و إذا تحول المجتمع كله إلى عمال و أختفى أصحاب رؤوس الأموال سيتحول المجتمع إلى إقطاعية يتحكم فيها رأس المال الوارد من الخارج أو سيقوم المجتمع بتصدير هذه العمالة إلى دول أخرى للعمل لديها , و فى هذه الحالة أيضاً سيحدث خلل إجتماعى فى الأسرة وترابطها و هى نفس الأزمة التى تعرضت لها مصر فى النصف الثانى من السبعينيات وطوال الثمانينيات ومازلنا نعانى من أثارها حتى يومنا هذا , فبعد ظهور دول البترول بالمنطقة العربية و نظراً لخروج مصر من مسلسل حروب وأيام عصيبة عانى خلالها الشعب الحرمان نزحت جموع العاملين إلى دول الخليج سعياًَ وراء الرزق ومن أجل تأمين مستقبل أولادهم كما كانوا يدعون وقتها . ثم ظهرت بعدها نماذج عديدة وتدفقات الأموال من العاملين بالخارج إلى مصر لتغير معها وجه مصر بالكامل بما فيها عادات وتقاليد أهلها , و نشأت أجيال جديدة لا تمت للمجتمع المصرى بصلة إما بسبب ميلادها فى مجتمعات أخرى أو بسبب غياب الأهل عنها طوال السنة وانشغالهم بجمع المال , وعلى الرغم من الإفتناع التام بأن البديل لم يكن متوافراً وقتها وأن الناس كانت مضطرة لذلك فلكل إنسان طاقة , و لا يستطيع أحد أن يلومهم بعد عناء سنين الحرب والحرمان وبعد أن خرجوا من بوتقة الإنغلاق وشاهدوا بأعينهم الانفتاح على العالم وتغيرت متطلباتهم , و تحول وقتها المجتمع 360 درجة. و إذا نظرنا إلى حب العمل سنجد أن الإنجاز يتحقق به و كذلك به يتم التغلب على المعوقات , وإذا أوجد كل من يعمل فى قطاع ما علاقة حب بينه و بين العمل الذى يقوم به سنجد أنفسنا أمام منظومة من التقدم والإرتقاء وتحقيق الذات و سيؤدى ذلك فى النهاية إلى تحقيق المعادلة الصعبة التى يسعى الجميع لتحقيقها-وهى أن نعمل ما نحبه-فكلنا يحلم بفرصة العمل فى المجال الذى يحبه ويجد نفسه فيه , فالعمل كالعشرة و تكوين الأسرة. فإن لم تستطع إنشاء أسرتك على قصة حب فعليك أن تحول العشرة بينك وبين أفراد أسرتك إلى حب ومودة حتى نستطيع أن نقول : أن حب ما نعمل سيصل بنا إلى أن نعمل ما نحب.