شدد الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى أن إخضاع الشرق الأوسط للنزعات والنزوات الإسرائيلية أمر لا يصح قبوله وتتعين مقاومته. جاء ذلك في كلمته اليوم "الخميس" أمام جامعة "الروح القدس" صرح أكاديمي للرهبانية المارونية اللبنانية"، بمناسبة الاحتفال بذكرى تأسيس جامعة الدول العربية، وزعت الجامعة العربية نسخة منها، بحضور ممثل رئيس الجمهورية اللبنانية وزير الخارجية الدكتور علي الشامي، والأب هادي محفوظ رئيس جامعة الروح القدس. ووصف موسى القضية الفلسطينية بأنها تمر حاليًا بعنق زجاجة، إما أن تسقط داخلها فتختنق، أو تنطلق خارجها فتقوم دولة فلسطين مستقلة ناهضة يبدأ بها عهد السلام الإقليمي، مشيرًا إلى أن السياسة الإسرائيلية التي تتعدى كونها سياسة حكومة بعينها لتنتهي بإقالتها أو استقالتها، ولتكون سياسة كل الحكومات الإسرائيلية، بأن لا سلام مع العرب ولا دولة فلسطينية ذات جوهر ومبنى وسيادة ولا برنامج سلام إقليمي، إلا طبقًا لما تقرره المصالح الإسرائيلية أولا، وتبعًا للأولويات التي تراها. وخاطب موسى الحاضرين منبهًا بالقول: "إن للعرب مصالح يجب الحفاظ عليها والدفاع عنها حين تتعارض مع مصالح أي كائن، فما بالكم بالمصالح الإسرائيلية الأنانية والتي تقوم أساسًا على إنكار حق شعب فلسطين في الحياة مثل باقي شعوب الأرض، وتحدي إرادة المسلمين والمسيحيين وحقوقهم في القدس، وعلى الجشع في الاستيلاء على الأرض، والسيطرة العسكرية النووية على الشرق الأوسط كله". وأكد أن "هذا كله لا يجب السماح به تحت أي ظرف، مشيرًا إلى أن السياسة العربية تقوم في الواقع على تحدي هذه الخطط والاستراتيجيات، ويجب أن تستمر في ذلك، لأن الهدف هو السلام العادل وليس غير ذلك". وقال موسى: "إن القمة العربية على الأبواب، والعالم العربي يمر بأزمة من أزماته الكبار هي تلك المتعلقة بقضية فلسطين وتطوراتها، وحِدة التلاعب بمقدراتها، وانقسام قياداتها، وتصاعد المزايدة على شعبها، بل وخداعه وإيهامه بأن الحل ممكن، وأنه على الأبواب، وهو في الحقيقة بعيد بعيد". ولفت إلى لحظة التراجع العربي الواضح، موضحًا أنه لا يقصد بالتراجع الخلافات الثنائية أو التردد السياسي فقط، أو الخضوع لتأثيرات ولِتداعيات الاستراتيجيات العالمية أو خسارة الريادة الإقليمية، أو التعرض لنزوات المصالح الأجنبية فحسب، وإنما يقصد بصفة خاصة التراجع الحضاري والثقافي والعلمي، والإسهام العربي في مسيرة العالم نحو مستقبل جديد للبشرية ديدنه العلم والتكنولوجيا، ولحمته الفكر والخيال والتصور والابتكار وإعلاء حقوق الإنسان وديمقراطية الحكم. ودعا عمرو موسى إلى ضرورة إعادة النظر في النظام العربي الحالي، عبر مشروع عربي شامل والبحث عن انطلاقة عصرية لحركة الحياة العربية، تضع الأمور في نصابها، لتنظِيم المصلحة العربية المشتركة التي تحقق التقدم والازدهار... والأمن والمنعة. وعزا تحقيق ذلك إلى ضمان الديمقراطية، وتوفر القيادة الحكيمة الواعية، والمثقفة، مطالبًا بضرورة توفير المفهوم القومي ليرتكز على خَلق المصالح المشتركة، وعلى تطوير جيل جديد من شباب العرب قابض على ناصية العلم، جَيِّد التعليم، صلب النشأة، مؤكدًا أن هذا هو واجب الجامعة العربية والتزامها، وهي تدخل بالعرب إلى العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين. وشدد على ضرورة أن يكون بند الإصلاح والتحديث، وتكريس مسيرة الديمقراطية وحقوق الإنسان بندًا رئيسيًا على جدول أعمال كل عمل عربي مستقبلي. واعتبر أنه إذا كان لإسرائيل مطالب في الأمن فللفلسطينيين حق أصيل فيه، وإن كان للإسرائيليين دولة، فللفلسطينيين الحق الكامل في دولتهم المستقلة ذات السيادة.. وإن كانت إسرائيل تدعي أن عاصمتها القدس، فإن للفلسطينيين الحق الأصيل في القدس عاصمة لدولتهم، كما أن للمسلمين والمسحيين حقوقهم غير القابلة للتنازل في المدينة المقدسة. وأوضح أنه إذا رفضت إسرائيل حقوقنا، فيتعين علينا أن نرفض دعواهم.. أما التراجع الذي أصبح البعض يدعو إليه تحت وصف الواقعية فليس إلا وصفة للهزيمة ومدخلا إلى عصر اضطراب كبير، وخراب لا يقدر. وفيما يتعلق بإيران رأى موسى أن الموقف يتطلب أولاً حوارًا عربيًا إيرانيًا عاجلاً تُطرحَ على مائدته مجمل المشاكل التي تسبب الاضطراب والالتباس في العلاقة العربية الإيرانية، وأن تكون الصراحة والشمول الأساس الذي يقوم عليه هذا الحوار، والذي لا يجب أن يطول، نعربًا عن أمله بالدفع نحو علاقة عربية إيرانية ايجابية تسهم في تحقيق الاستقرار في المنطقة، وفي الاتفاق على مسار للأمن الإقليمي وفي العمل على التوصل إلى سلام عادل. وتحدث موسى عن موضوع الأمن الإقليمين مؤكدًا أنه لا يقل أهمية عن موضوع السلام العادل، بل أنه مرتبط به ارتباطًا عضويًا، مطالبًا بأن تكون نواته إخلاء المنطقة من السلاح النووي، بدءًا بالترسانة النووية الإسرائيلية، والعمل على خفض التسلح دون استثناء لأي دولة و ضمان الأمن للجميع. واقترح الأمين العام تبنى سياسة جوار عربية، تقودها وتكون بؤرتها جامعة الدول العربية، وترتكز على التجمع العربي وتحيط به، ويكون أول المرشحين للانضمام لها تركيا، وان يضم دولاً آسيوية وافريقية ومتوسطية وربما أوروبية، مؤكدا على بقاء الجامعة كمؤسسة متطورة عفية مستقلة بذاتها، تجتمع بدول الجوار في دورات محددة وعلى مستويات سياسية وفنية ووفق برامج تحقق التنسيق والتعاون والتفاهم، وربما نشكل لها فيما بعد هيكلية بعينها. ولفت موسى إلى نقطة فنية تتعلق بصلاحيات مؤسسة جامعة الدول العربية، وكما تدل تسميتها، أنها بالأصل جامعة للدول، وليس في ميثاقها ولا أنظمتها ما يمنحها سلطات فوق سلطات الدول الأعضاء، وهي بهذا نظام تعاون تعاهدي، منوهًا إلى أن الجامعة أصبحت، وفي فترة مبكرة من وجودها، المرآة العاكسة لتفاعلات الإرادات العربية، وما تمثله من مصالح مشتركة أحيانًا ومتنازع عليها أحيانًا أخرى. واعتبر موسى أن الجامعة لاتزال تعاني من إشكالية كبيرة في آليات عملها نجمت عن التأرجح بين تنازع الإرادات العربية وبين ما تفرضه التحديات والضرورات في أن تكون هناك إرادة عربية جامعة معبرة عن المصالح الجماعية يجب أن تأخذ أولوية على ما عداها من الاعتبارات. ومن ناحية أخرى، كشف موسى عن أن العمل جار لعقد قمة عربية تهتم بالشأن الثقافي، لتكون انعكاسًا لإرادة سياسية ناهضة في هذا المجال، معربًا عن أمله أن تشكل قراراتها مرجعية للعمل العربي المشترك في المجال الثقافي، تعظم من درجة تعاملنا مع كافة المؤسسات الثقافية الدولية، بما في ذلك تلك المعنية بحوار الحضارات، لدرء ما سببته هذه النظرية وممارساتها من خلل في العلاقات الدولية ونتطلع إلى أن تفتح هذه القمة آليات نحو معالم نهضة شاملة في كافة مجالات الحياة الثقافية في الوطن العربي.