دائماً تتعلق أذهان الجماهير العاشقة لكرة القدم بأقدام لاعبيها.. خاصة فى البطولات الدولية .. لهذه الساحرة المستديرة التى تلهب قلوب عشاقها يوماً تلو الأخر .. ففى البطولة السابعة والعشرون لقدم القارة الأفريقية السمراء والتى أقيمت " بأنجولا " خلال يناير المنقضى ، حقق أبطال مصر عديد من الإنجازات المدوية والغير مسبوقة فى تاريخ كرة القدم محلياً ودولياً بحصولهم على الكأس الأغلى والأعلى فى مسابقات القارة السمراء فهى البطولة الأولى جماهيرياً وإعلامياً وتحظى بالشعبية الأولى التى تتفرد على مستوى اللعبات الرياضية جمعاء .. ولم يكن هذا النصر هو الأول من نوعه ولكنه السابع فى تأريخ اللعبة والثالث على التوالى مما يحدو بنا للاحتفاظ بهذه الكأس الغالية مدى الحياة وهذا انتصار جديد .. أضيف إلى هذا كله حصول مصر على أربع بطولات فى اثنتى عشر سنة من جملة سبع مسابقات .. فقد سبق للجوهرى ورجاله الحصول على هذا الكأس الغالية عام 1998 وكررناها فى أعوام 2006 بمصر و 2008 بغانا و 2010 بأنجولا .. كما سبق ذلك كله حصول أبطالنا عليها عام 1986 بمصر ورفع الكأس المجرى مصطفى عبده والخطيب معشوق الكرة المصرية الأول حتى يومنا هذا .. علاوة على ذلك حصولنا عليها مرتين فى عقد الخمسينيات .. وطعم 2010 يأتى بمذاق جديد يضيف للمشاهد نكهة خاصة يذوقها لأول مرة بطعم " الكافيار " حيث حصل اللاعب أحمد حسن كابتن المنتخب على كأس أحسن لاعب فى البطولة .. كما حصل النجم الصاعد الواعد محمد ناجى جدو على لقب هداف البطولة الذى أحرز خمسة أهداف من جملة " 15 " هدفاً سجلهم المنتخب المصرى وتوج بهم بطلاً .. فى حين لم يدخل مرمانا سوى هدفين لبراعة عصام الحضرى من نيجيريا والكاميرون .. وأضحى حارس منتخب مصر أفضل حارس فى البطولة كما حصلنا على أفضلية خط دفاع وهجوم .. أما خط المنتصف فلم يرقى لمستوى الأفضلية الكبرى .. المعلم حسن شحاتة قائد منتخب بلادنا أبن مصر البار المولود فى إحدى قرى مدينة كفر الدوار وأحد أبرز حوائط الصد المصرية على مر التاريخ وأحد أهم قلاعنا الصناعية استطاع بواسطة لاعبيه وجهازه الفنى والإدارى أن تكون له الغلبة مع ملاحظة ضعف الاحتراف الخارجى الذى يصل إلى حده الأدنى فى مواجهة الرياحات الأوروبية التى احترف فيها غالبية لاعبى الكاميرون وغانا ونيجيريا وغيرهم .. والكرة أوربية المنشأ .. إنجليزية الصنع أول من عرفها هم الهنود الحمر .. وتسللت إلى قارتنا منذ زمن لا يتجاوز القرن .. ولم تزد تنظيماته أكثر من نصفه .. لم أرى البسمة على وجوه المصريين منذ نكسة 18 نوفمبر الحزين من العام المنصرم سوى الحادى والثلاثين من يناير آذار المنقضى .. لقد عاشت مصر أياماً عصيبة تجرع فيها الرياضيون وغيرهم كأس المرارة المدقع بعد إخفاق فريقنا القومى فى موقعة أم درمان بالسودان الشقيق بعد ضياع فرحة النصر باستاد القاهرة قبل أربعة أيام من حادث المرارة .. رأيت الشيوخ والشباب والفتيات والأمهات تكسو وجوههم الصفرة وتعلو هاماتهم رايات السواد وتخفق خطاهم على السير .. ولم نقسو على فريقنا القومى بل كرمناهم تكريم الأبطال فى شخص السيد رئيس الجمهورية الذى مسح دموعهم وشد على أيديهم وطالبهم بطى صفحة الماضى وتركه وراء ظهورهم وضرورة الإلتفات للمستقبل الذى ينتظرهم فى أنجولا .. حسناً فعلها حسن شحاتة ورفاقه وساروا على الدرب ووضعوا من كلمات الرئيس دستورا لحاضرهم فجنوا ثمار المستقبل وأتوا بما هو أعظم من مجرد التمثيل المشرف فى بطولة العالم لكرة القدم .. ليس العيب أن تخطىء ولكن العيب أن تتمادى فى الخطأ .. لقد استطاع الأبطال أن يلفتوا أنظار العالم صوب مصر ورياضاتها ويؤكدوا أن أحفاد الفراعنة قادمون .. حتى قال عنهم مدرب الفريق الإيطالى لكرة القدم لو أننى أملك هذا المنتخب لصعدت به إلى نهائيات كأس العالم ؟! وهذا هو الشرف المروم الذى نستحقه .. كما أن المحاولات التى تهدف إلى نيل ثقة حسن شحاتة فى تدريب بعض الأندية الأفريقية الصاعدة لكأس العالم أمر بالغ الأهمية وبطولة جديدة تضاف لأحفاد الفراعنة .. وهذا النصر الكبير الذى سيقف التاريخ الرياضى أمامه طويلا تعجز الكلمات عن ترجمة معانية وبلورتها فى قالب مناسب للدارسة والتعلم كان وراءه عدة عوامل أهمها .. أن الحكم " البنينى " الذى أدار مباراتنا مع الجزائر الشقيقة يستحق الإشادة لأنه كان محايداً وقوياً وبليغاً حتى فى كروته الحمراء التى كانت كالسياط تلهب ظهور الخارجين على قانون اللعبة وتؤكد أن العنف الكروى طريقة إلى الانحسار وتجنبه أمراً ضرورياً وليس هناك أحداً فوق مستوى الشبهات .. لقد أعطى لنا هذا الحكم درساً كروياً يؤكد أن اللعب النظيف هو السيد والأخلاق الرياضية تسمو مكانتها .. على عكس الحكم الذى خذل المبادىء الكروية فى نكسة أم درمان .. إن انتصار لاعبينا على الجزائربرباعية نظيفة عن استحقاق وجداره كان حافزاً معنوياً دفعنا إلى تخطى عقبة "غانا" وهم برازيل القارة وأسودها بعد أن وصلت التوقعات قبيل المسابقة إلى حصولهم على الكأس الغالية ومن بعدهم أتت " كوت ديفوار " ومصر والكاميرون ولم تأتى توقعات أكثر المتفائلين بحصول مصر على كأس البطولة وهدافها وحراسة المرمى وأحسن لاعب .. ولقد تفوقت قنوات الجزيرة الرياضية على نفسها فى الحيادية التامة بين البلدان العربية المشاركة وهم مصر والجزائر وتونس وهللت لمصر عقب حصولها على كأس البطولة وكأن قطر هى التى حصلت عليه .. إن هذه الدويلة الصغيرة التى تقع فى حضن بلدان الخليج العربى ولا يتجاوز سكانها الربع مليون نسمة أعطت للعالم أجمع والعربى خاصة درساً فى فنون التعليق الرياضى على أعلى مستوياته وأتت بالفرقاء على طاولة واحدة وأبرزت الرأى والرأى الآخر للساحة الرياضية فى العروبة والعالم أجمع .. فكان عقد شراء حقوق البث المباشر للبطولة الأفريقية وطرق مشاهداته يؤكد أن هؤلاء يهدفون إلى عروبة قادرة على تحدى العالم كله بالوقوف على الندية .. وعندما هاجت فضائياتنا الخاصة والتى لم تقوى على مجاراة طوفان قنوات الجزيرة الرياضية العشر حتى فى شراء حقوق عرض ملخص البطولة لمحدودية الدخل وضحالة الخبرة ومهد عالمية التسويق .. فكانوا عصافير داخل القفص الذهبى غردوا خارج البستان الرياضى ورغم محاولاتهم الجادة للحصول على ذوق المشاهد حتى المصرى .. وإن هذا يحدو بنا إلى ضرورة فتح أفاق خبرة جديدة فى عالم التسوق وسياسة جذب الأنظار وهيكلة إعلامنا ليصبو إلى العالمية المطلوبة على مستوى الجزيرة الرياضية .. إن إمارة قطر تعتبر رائدة الإعلام العربى فى كل فنونه ودعونا لكى نعترف بهذه الحقيقة المرة حتى لا ندفن رؤوسنا فى الرمال كالنعام .. ونترك لأنفسنا فرصة التعلم الحقيقى فى دنيا السموات المفتوحة .. بعد أن أغلق المشاهد صنابير القنوات المصرية سواء الحكومية منها أو الخاصة وصوب ناظريه تجاه قنوات الجزيرة .. إنهم يملكون سلاح الكلمة وسياقها وفنون التحليل والتعليق والضيف الذى يصل إلى أذهان المشاهد .. سياستهم غريبة وتعليمهم أوربى وثقافتهم إنجليزية .. بعد أن أضحت العربية عاجزة عن مسايرة ركب التقدم العالمى .. لقد فتحت معركتنا مع الجزائرألسنة اللهب الكامنة بين العرب نحو قوميتهم وعاشت جماهير الكرة ليال حزينة لفوز مصر بالبطولة القارية وعلى الجانب الآخر خرج مشجعونا إلى الشوارع معبرين عن فرحتهم لإخفاق الجزائر مع بعض الفرق الأفريقية وظهر من يقول لنا بالعودة لمنتخبنا بعد النصر على الجزائر .. وهذا ما يؤكد أن جمر النيران التى يغطيها الرماد قد تندلع براكين وزلازل ولا عزاء للقومية العربية والحلم العربى .. إن العلاقات العربية فى حالة يرثى لها وفى حاجة إلى إعادة صياغة مؤكدين على أن هناك مستفيدين من زعزعة استقرار هذه الوحدة التى قطع أوصالها الاحتلال ويزيد من هذه الفجوة الأعداء الخارجين .. فلو اتحد العرب فى كل شيء لأصبحوا القوة العظمى الثانية بعد أمريكا أو قل قبلها .. الحكاية ليست حكاية مباراة كرة قدم ولكنها ابعد من ذلك بكثير .. فبطولة أو مباراة يجب ألا تخرج النيران العاتية .. إن العدو الخارجى يتربص بعروبتنا ويحاول النيل من قوميتنا حتى نصبح أشلاء لا تقوى مع أى رياح عاتية .. ولولا بعض الاتحادات العربية فى النقابات وغيرها علاوة على الجامعة العربية وعامل التقارب واللغة لانتهت قومية الوطن العربى وتحولت بلدانه إلى نيران تأكل نفسها إن لم تجد ما تأكله ولأضحت سيناء مدينة العالمين الجديدة التى تتوسط جغرافية العرب وعالمهم .. يجب ألا تنسينا فرحة البطولة الأفريقية لكرة القدم عن الهدف الاسمى الذى نتطلع إليه نحن العرب نحو إيجاد حلول وصيغ جديدة لجمع شتات الأمة وعلينا طى صفحة الماضى ومحاولة إيجاد سبل جديدة تقضى على الأحقاد والاحتقان الخفى وتجاوز المحن لغد مشرق يسمو فوق الكبرياء .. ويقضى على التعصب الأعمى الذى يؤخرنا عن ركب التقدم ونقضى على مطامع الغرب الذى يهدف إلى تقطيع أوصالنا ونكن حذرين من العدو المتربص بنا الذى ينفث فى كل مشكلة عالقة ويجعل من الحبة " قبة " أفيقوا يا عرب فليست مباراة كرة قدم أو بطولة رياضية كافية لوجود تناحر مستمر وتعصب أعمى وتحد عقيم لا يولد سوى الأحقاد والضغينة فدافع الانتصارات فى البطولات يجب أن يتم تسخيره إلى صالح الأمة العربية ويهنىء المهزوم الفائز وقلوب العرب البيضاء التى سرعان ما تنسى آلام الماضى وأحقاد اللحظة وتتجمع فى الخيرات فنحن كالجسد الواحد عروبة ودماء ولسنا كالمثل القائل ما لجرح بميت إيلام أول كما يقول الشاعر ... * نقيب المحامين ورئيس اتحاد المحامين العرب