جرعة ثقافية جديدة تلقاها جمهور الجناح الروسي الذي حضر ندوة الجمعة الماضية لعرض كتاب "بليبين في مصر" ورأس الندوة مؤلف الكتاب الأديب الروسي المستشرق "فلاديمير بولياكوف" الذي تحدث عن بليبين باعتباره أحد أهم الرسامين الروس المهاجرين إلي مصر. وأضاف أن بليبين ولد عام 1876 وجاء إلي مصر في 25 مارس 1920 علي آخر باخرة روسية وصلت إلي ميناء الأسكندرية وعلي متنها 1125 لاجئًا روسيا، وبوصول هذا الرسام بدأت رحلته الفنية، حيث عاش مع مهاجرين روس بالقاهرة، ورغم شهرته في روسيا كفنان تشكيلي، إلا أن الأمر في القاهرة قد اختلف حيث عمل مؤلفًا للكتب ورسامًا للوحات الأغنياء، كما رسم ثلاث لوحات للحياة في مصر ما زالت داخل المستشفي اليوناني بالعباسية. وكان "بليبين" يرتبط عاطفيا بإحدي تلميذاته التي كانت تقيم في روسيا، فأرسلت له رسالة تعبر فيها عن حبها الشديد له وظل يتبادل معها الرسائل واصفًا من خلالها الحياة المصرية بكل ما فيها من عمق أدبي واجتماعي، حيث قال عنها في إحدي رسائله لحبيبته "أن مصر جنة الرسامين" ثم قام بدعوتها للقاهرة فجاءت وتزوجا وظل الاثنان يتفقدان الحياة المصرية بكل ما فيها من تفاصيل أضفت للفنانين أرشيفًا ساعدهم علي مواصلة عملهم الفني، وفي عام 1925 أقيم معرضًا لأعمالهما في بارس فسافرا إلي هناك واستقرا للعيش فيها، وبعد 11 عامًا أي في عام 1936 اشتاقا لوطنهم روسيا فقررا العودة، وبالفعل عادا إلي روسيا لقضاء ما تبقي من عمرهما. وفي عام 1941 اندلعت الحرب الألمانية علي روسيا الاتحادية، فتم محاصرة قريته التي كان يعيش فيها وهي "لينش غراض" التي أصبحت الآن مدينة "سانت بيترسبرج" فحاول العسكريون إخراجه هربًا من الحرب علي ظهر إحدي السفن لكنه رفض قائلاً عبارته الشهيرة "الإنسان لا يخرج من المدينة المحاصرة ولكن يبقي فيها للدفاع عنها"، وبعد عام من اندلاع الحرب، أي في عام 1942 توفي "بليبين" عن عمر يناهز 68 عامًا! وظلت زوجته علي قيد الحياة حتي بلغت من العمر 99 عامًا ولم تنس لحظة حياتهما معًا في مصر. وأشار فلاديمير .. أن رسائله لحبيبته التي أصبحت زوجته آنذاك كانت مصدر "لكتابه"، حيث قام يجمع تلك الرسائل في كتابه "بليبين في مصر" لكي يتعرف العالم علي ثقافة تلك المدينة المصرية، وكيف كان يعيش الناس عام 1920 وكيف كانت حياتهم اليومية.. وهو ما قام بليبين بوصفه متخذًا من زياراته للأزقة والحواري القديمة وأبو الهول والأهرامات ومعاشرته للمصريين وسيلة لوصف القاهرة الساحرة. وذكر "فلاديمير" أن في روسيا مئات الفنانين الروسيين ولكن ليس بقدر "بليبين" ولذا نحن كروس نحافظ علي أعماله لأنها لن تعوض، وأن هناك كتاب خاص يتناول حياة المهاجرين الروس في مصر باستفاضة، والدكتور أنور إبراهيم قام بترجمته لكي يستفاد منه المواطن المصري والروسي، حيث ترك هؤلاء المهاجرين أثرًا كبيرًا في مصر. وعلي مدار 25 دقيقة هي مدة الفيلم الوثائقي عن حياة هذا الرسام الروسي استمتع الحضور بما تناوله الفيلم، خاصة أنه ضم العديد من نماذج التصوير "الحي" لشوارع القاهرة وآثارها في تلك الحقبة عام 1920 . وفي مداخلة للدكتور "أنور إبراهيم" أكد أن بليبين يعد أحد المؤرخين الهامين في العالم، وأنه استطاع أن يعكس الصورة الاجتماعية عن المصريين "للعالم"، وأثني علي هذا الجهد الكبير لفلاديمير الذي تناول تلك الرسائل، للتواصل بين البلدين مصر وروسيا. بينما أشاد الحضور الروس بهذا الكتاب معبرين أنه إضافة لنا "كروس" وحقيقة أننا لم نتعرف علي مصر عام 1920 إلا من خلال تلك الرسائل وذلك الكتاب الشيق الذي يستفاد منه الجانبين الروسي والمصري.