افتتاح مدرسة إصلاح إدريجة للتعليم الأساسي بتكلفة 6.5 مليون جنيه بكفر الشيخ    «صحّح مفاهيمك».. أوقاف المنوفية تنظّم ندوة حول «خطورة الرشوة» بالمدارس    رئيس الوزراء: مصر ستوفر 3 مليارات دولار سنويا بعد تشغيل محطة الضبعة    مراسم رسمية ومذكرات تفاهم.. تفاصيل لقاء السيسي ورئيس جمهورية كوريا    السيسي يؤكد أهمية تعزيز العلاقات الاقتصادية والاستثمارية والثقافية مع كوريا الجنوبية    الإثنين المقبل.. انطلاق القمة السابعة للاتحاد الأوروبي و الإفريقي في أنجولا    الطاقة الذرية تلزم إيران بالكشف عن مخزون اليورانيوم.. وطهران تنهى التعاون مع الوكالة    بعد تصريحات الربع محترف، شوبير يكشف سر خلاف حسام حسن ومصطفى محمد في المنتخب    وصول بعثة زيسكو الزامبي إلى القاهرة استعدادًا لمواجهة الزمالك    محمد عبد الجليل يكتب: احذروا.. فيديو الحرم "الزوجة المشلولة والزوج يدعو لها" مزيف تمامًا.. هكذا ضحك ال AI على مشاعر المصريين في صحن الكعبة    افتتاح وحدة طب أسرة جزيرة بهيج بتكلفة 60 مليون جنيه في أسيوط    محمد أنور يبدأ تصوير مسلسل "بيت بابي"    تطورات جديدة في الحالة الصحية للموسيقار عمر خيرت    وزير الشباب والرياضة يستعرض مستهدفات المشروع القومي للموهبة والبطل الأولمبي    لتعزيز التعاون بين البلدين.. الهيئة العامة لميناء الأسكندرية تستقبل وفدًا برلمانيًا من جمهورية جنوب إفريقيا    النائب محمد إبراهيم موسى: تصنيف الإخوان إرهابية وCAIR خطوة حاسمة لمواجهة التطرف    غدًا.. انطلاق عروض الليلة الكبيرة بالمنيا    رصاصة طائشة تنهي حياة شاب في حفل زفاف بنصر النوبة    مجلس الوزراء يُوافق على إصدار لائحة تنظيم التصوير الأجنبي داخل مصر    الرئيس الكوري الجنوبي يزور مصر لأول مرة لتعزيز التعاون الاقتصادي والثقافي    رئيس مياه القناة: تكثيف أعمال تطهير شنايش الأمطار ببورسعيد    صحة الإسكندرية: 14 وحدة و5 مستشفيات حاصلة على الاعتماد من هيئة الرقابة الصحية    لتصحيح الأوضاع.. السد يبدأ حقبة مانشيني بمواجهة في المتناول    هل يخفض البنك المركزي الفائدة لتهدئة تكاليف التمويل؟.. خبير يكشف    المنيا: توفير 1353 فرصة عمل بالقطاع الخاص واعتماد 499 عقد عمل بالخارج خلال أكتوبر الماضي    يديعوت أحرونوت: محمد بن سلمان يضغط لإقامة دولة فلسطينية في 5 سنوات    حقيقة فسخ عقد حسام حسن تلقائيا حال عدم الوصول لنصف نهائي أمم إفريقيا    يضيف 3 آلاف برميل يوميًا ويقلل الاستيراد.. كشف بترولي جديد بخليج السويس    الداخلية تضبط أموالاً بقيمة 460 مليون جنيه من نشاط إجرامى    أسهم الإسكندرية لتداول الحاويات تواصل الصعود وتقفز 7% بعد صفقة موانئ أبوظبي    التضامن: نخطط لتحويل العاصمة الجديدة إلى مدينة صديقة للأطفال    الغرفة التجارية بالقاهرة تنعى والدة وزير التموين    إيقاف إبراهيم صلاح 8 مباريات    حكم صلاة الجنازة والقيام بالدفن فى أوقات الكراهة.. دار الإفتاء توضح    رئيس أزهر سوهاج يتفقد فعاليات التصفيات الأولية لمسابقة القرآن الكريم    أمين الفتوى يوضح حكم غرامات التأخير على الأقساط بين الجواز والتحريم    الهلال الأحمر المصري يطلق «زاد العزة» ال77 محمّلة بأكثر من 11 ألف طن مساعدات    بيتكوين تستقر قرب 92 ألف دولار وسط ضبابية البنك الفيدرالى    تقارير: تعديل مفاجئ في حكم مباراة الأهلي والجيش الملكي    نقابة العلاج الطبيعي تناشد وزير الصحة بسرعة إعلان تكليف دفعة 2023    تأثير الطقس البارد على الصحة النفسية وكيفية التكيف مع الشتاء    السبت المقبل.. «التضامن» تعلن أسعار برامج حج الجمعيات الأهلية    محافظ القاهرة وعضو نقابة الصحفيين يبحثان سبل التعاون المشترك    الأرصاد تحذر من طقس الساعات المقبلة: أمطار على هذه المناطق    جثة طائرة من السماء.. مصرع شاب عثروا عليه ملقى بشوارع الحلمية    تموين القليوبية: جنح ضد سوبر ماركت ومخالفي الأسعار    استشاري صحة نفسية توضح سبب ارتفاع معدلات الطلاق    مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبى: سنفرض عقوبات على عدد من الجهات السودانية    وزارة «التضامن» تقر قيد جمعيتين في محافظة الغربية    مواقيت الصلاه اليوم الخميس 20نوفمبر 2025 فى المنيا..... اعرف مواعيد صلاتك بدقه    وزير الصحة يوجه بتشكيل لجنة للإعداد المبكر للنسخة الرابعة من المؤتمر العالمي للسكان    نصائح هامة لرفع مناعة الأطفال ومجابهة نزلات البرد    مواجهات قوية في دوري المحترفين المصري اليوم الخميس    سيد إسماعيل ضيف الله: «شغف» تعيد قراءة العلاقة بين الشرق والغرب    أدعية الرزق وأفضل الطرق لطلب البركة والتوفيق من الله    مصادر تكشف الأسباب الحقيقية لاستقالة محمد سليم من حزب الجبهة الوطنية    خالد أبو بكر: محطة الضبعة النووية إنجاز تاريخي لمصر.. فيديو    عصام صاصا عن طليقته: مشوفتش منها غير كل خير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كُنْ قَوِيًّا بالله
نشر في مصر الجديدة يوم 27 - 06 - 2013


فضيلة المرشد العام للإخوان المسلمين
رسالة من : أ.د. محمد بديع
المرشد العام للإخوان المسلمين



الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام الأنبياء وخاتم المرسلين، وعلى آله وصحبه والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فيا أيها المسلمون في كل مكان:
إن للكون إلهًا واحدًا يُدبِّر أمره، وينظم شؤونه، ولا يمضي في الكون إلا أمره وإرادته، وهذا من موجبات التحقق بالعبودية له، والتوكُّل التام عليه، (وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (هود: 123).
إن العالم الذي نعيش فيه لا يقع فيه إلا ما يريد الله عز وجل، وإن الخلق لو اجتمعوا على أمر لم يأذن به الله فلن يقع، وأن الخلق لو اجتمعوا على منع أمر أذن الله به فلن يمنعوه، (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (فاطر: 2).
وإن من ينصره الله لا غالب له، وأن من يخذله الله فلا ناصر له: (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) (آل عمران: 160).
وإن اليقين بذلك يجعل المسلم لا يخشى من الدنيا كلها لو اجتمعت عليه، وذلك بفضل توكله على الله تعالى تحقيقًا: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) (آل عمران: 173)، ولمَّا أحسنوا التوكل على الله أفاض عليهم سبحانه من خيراته: (فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ) (آل عمران: 174).
أيها المسلمون في كل مكان:
إن لله أولياء لا يخشون أحدًا سواه، وللشيطان أولياء يُلْقِي بالرعب في قلوبهم من كل شيء، وقد حَذَّرنا الله من ذلك فقال تعالى: (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (آل عمران: 175).
وإن مما لا شك فيه أن الكيد والمكر ضد الإسلام لم يتوقف، لكن الله سبحانه يُحْبِط مكرهم، بل يردُّه إلى نحرهم، ويرجع بالهلاك على أنفسهم: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ) (الأنعام: 123)، وقال تعالى: (وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّةَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلًا) (فاطر: 43)
المؤمن قوي الجنان.. ثابت الأركان:
إن المتأمل في الواقع العالمي، والناظر لما يدور في العالم الإسلامي، يدرك حجم المؤامرة التي دُبِّر لها بليل، وخُطِّط لها في الظلام لوقف المدِّ الإسلامي، ومنع الصحوة الإسلامية في ديار المسلمين من أن تأخذ مداها، وتقتلع ما سواها؛ لتنهض أمتهم، وترتفع رايتهم، فيعمَّ العدل، وتنتشر الرحمة، وتتحقق المساواة، ويتمتع الجميع بالحرية، ويأمن الجميع -من أسلم ومن لم يسلم- على نفسه وماله وعرضه.
وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال، كما قال ربنا: (وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ) (إبراهيم: 46)، ولكن بعدها مباشرة علاجًا لردِّ الفعل النفسي (فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ) (إبراهيم: 47)، إلا أن المسلم وأمام هذا المكر الرَّهيب، وما ينشر من أراجيف، ويُذاع من إشاعات لا يتأثر، بل ولا يتسرب إلى قلبه أدنى شك من وعد الله تعالى لنصرة دينه، وإظهار نور الإسلام: (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) (التوبة: 32).
وإن المسلم ليزداد إيمانًا وتسليمًا، كلما التفَّ الباطل وتجمع، وكشف عن كراهيته للإسلام، وأعلن عن ذلك وأفصح، وله في الصحابة الكرام الأسوة، حين تجمَّعت الأحزاب، وأحاطت بالمدينة، حتى إن أحدهم لا يقدر على أن يخرج لقضاء حاجته، لكنهم قالوا بلسان الصدق واليقين: (وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا) (الأحزاب: 22).
والموقف هو الموقف، والزمن هو الزمن، والحال هو الحال الذي قال فيه آخرون: (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا) (الأحزاب: 12).
وقد وعد الله عز وجل بنصرة من ينصره، بل ويُثبِّت قلبه فلا يزيغ لا قلبه ولا بصره، وفي المقابل يحبط أعمال الكارهين للإسلام: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ) (محمد: 7 – 9).
وعن نوع آخر يقول الله تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ * فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ) (محمد: 26 - 28).
إن كل من يكره ما أنزل الله، سيحبط الله أعمالهم؛ ف(إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ * وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ) (يونس: 81 – 82).
إن كل من يكره ما أنزل الله، لو اجتمعوا بقضِّهم وقضيضهم (لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ) (محمد: 32).
تجديد الإيمان:
إن كل ما سبق يلقي بالطمأنينة في قلوب المؤمنين، ويمنحهم السكينة والأمن، مهما تألَّبت عليهم قوى الشر والطغيان، ويدفع بالأمة أن توثق صلتها بربِّها، وتُجدِّد إيمانها بالقويِّ القادر القاهر فوق عباده الحكيم الخبير..
أيُّها المسلمون في كل مكان:
اعلموا أن صلاح أمركم، وسرُّ انتصاركم، يكمن في الإيمان الحي؛ لأنه هو الذي يحيي الضمير، ويوقظ الشعور، ويُنَبِّه القلوب، ويترك مع كل نفس رقيبًا لا يغفل، وحارسًا لا يسهو، وشاهدًا لا يجامل ولا يحابي، ولا يضلُّ ولا ينسى، يصاحبها في الغدوة والروحة والمجتمع والخلوة، ويراقبها في كل زمان ويلاحظها في كل مكان، ويدفعها إلى الخيرات دفعًا، ويدفعها عن المآثم دفعًا، ويجنبها طريق الزلل، ويبصرها سبيل الخير والشر: (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ) (الزخرف: 80).
كما أن الإيمان الحي هو الذي يجمع أشتات الفضائل، ويلمّ أطراف المكارم، ويجعل لكل فضيلة جزاء، ولكل مكرمة كفاءً، ويدعو إلى تزكية النفوس والسمو بها، وتطهير الأرواح وتصفيتها: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) (الشمس: 9 - 10).
إن الإيمان الحي قبس من روح الله تعالى، السارية في ذرَّات هذه النفوس وفطرتها، يضيء ظلامها وتشرق بنوره، ويأوي إليها فتهشّ له، فإذا تمكن منها كان كل شيء له فداء (قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) (التوبة: 24)، وقد علمنا الأستاذ البَنَّا رحمه الله أن نكون كما يجب، وكما يحب ربنا ويرضى فقال "أنتم روحٌ جديدٌ يسري في جسد هذه الأمة ليحييها بالقرآن".
واجبنا أن نزداد طاعةً وصبرًا:
وحتى نكون أهلا لأن يمدّنا الله بنصره، ويمنحنا تأييده يجب علينا أن نزداد إيمانًا بالإكثار من الطاعات، لا سيما في هذه الأيام المباركة التي كان الرسول صلى الله عليه وسلم يترقبها فإذا دخل رجب قال: "اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان".
واعلموا أن الله سبحانه قد أرشدنا إلى ما يحقق لنا معيَّته عند الشدائد والخطوب، فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) (البقرة: 153).
وإن ما يلحقنا من أذى وعنت من القريب والبعيد، والعدو والصديق، والداخل والخارج، يحتاج منا إلى لجوء وتضرع إلى الله في الصلاة، كما أنه يتطلب منا توطين النفس على الصَّبْر، وتدريبها على التحمُّل والحلم، وهذا ما حثَّنا عليه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حينَ قال: "إنَّما الصَّبرُ بالتصبُّر, إنَّما الحلمُ بالتحلُّم، ومن يتحرَّى الخيرَ يُعطَه، ومن يتوقَّ الشرَّ يوقَه". وكل ما يجري على المؤمن خير له، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سرَّاء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضرَّاء صبر فكان خيرًا له".
وبتقوى الله عز وجل وطاعته تلين لك القلوب القاسية، وبالصبر تصل إلى غايتك وتحقق ما تريد:
أَلا بِالصَّبْرِ تَبْلُغُ مَا تُرِيدُ *** وَبِالتَّقْوَى يَلِينُ لَكَ الحَدِيدُ
وكل من يحمل أمانة هذا الدين، ويبلغ هداية السماء للبشر، يجب عليه أن يتحقق بوصية لقمان لابنه: (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) (لقمان: 17).
الاستعداد لرمضان:
وفي هذه الأيام المباركة التي تسبق شهر الرحمات والنصر، يجب أن يهيئ المسلم نفسه، ويُعِدّ قلبه لاستقبال النفحات الرمضانية، وفيض الرحمات الربَّانية، وأن يخرج من هذا الشهر بأعظم الأجر والثواب، ولعله أن يفوز بالعتق من النيران، وذلك بأن يتحقق بتلك الأمور على سبيل المثال:
أولًا: المحافظة على الصلوات الخمس في جماعة، وخاصة صلاة الفجر والعشاء، فعن ابن مسعود رضي الله عنه: "أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أفضل قال: الصلاة لوقتها، وبر الوالدين، ثم الجهاد في سبيل الله"، "من صلَّى العشاء في جماعة فهو كمن قام نصف الليل، وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ... فَهُوَ كَمَنْ قَامَ اللَّيْلَ كُلَّهُ".
ثانيًا: إتقان تلاوة القرآن الكريم والوقوف على القواعد الأولية للتجويد؛ لتدخل في عداد المهرة بالقرآن الكريم وتكون مع السفرة الكرام البررة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه، وهو عليه شاق، له أجران".
ثالثًا: مراجعة ما تحفظ من القرآن الكريم؛ ليكون عونًا لك على صلاة القيام، واجتهد على أن يكون لك حظ في الليل وساعات السَّحَر، تناجي فيه ربك، وتدعو للأمة أن يحفظها من كيد الماكرين بها، وأن يجنبها فساد الحاقدين، وشر المفسدين، فلعلَّ الله أن يحفظ البلاد والعباد من مكر الداخل والخارج ببركة دعوة في السحر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن في الليل ساعة لا يوافقها مسلم يسأل خيرًا من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه، وذلك كل ليلة".
إن الشعور بالضعف والفقر والعجز بين يدي الله تعالى من أقوى أسباب تنزل القوة والنَّصر، وعلينا أن نحشد كل من حولنا للدعاء، فرُبَّ دعوة من صغير لا يعقلها كانت سببًا لتنزل الرحمات، ورُبَّ نداء سرى في جوف الليل من شيخ هرم أجابته السماء، فكان الفرج والنجاة.. وإنما ننصر بضعفائنا..
رابعًا: أن تُعَوِّد نفسك وتُدَرِّبها على عمل الخير، وتيسير المصالح للناس، والدعوة إلى المعروف ابتغاء مرضاة الله، وتحقق بقول الله تعالى: (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا) (الإنسان: 9).
واعلم أنه لن يقيك من النار إلا ما كان خالصًا لوجه الله عز وجل: (وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجزى * إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى) (الليل: 17 – 21).
ولا تحقرنَّ من المعروف شيئًا، فشق التمرة قد يعتقك من النار، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "... اتّقوا النّار ولو بِشِقِّ تمرة، فمَن لم يجد فبكلمة طيِّبة".
خامسًا: أن يبادر كل مسلم بالصُّلح والسلم الاجتماعي بينه وبين أقاربه، وبينه وبين جيرانه، وبينه وبين زملائه في العمل، وأن ينزع من قلبه الغلّ والحقد والحسد للآخرين، وأن يملأ قلبه بالحب لهم؛ لأنه الطريق الآمن إلى الجنة.. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَنْ تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَفَلا أُخْبِرُكُمْ بِمَا تَحَابُّونَ بِهِ؟ "قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: "أَفْشُوا بَيْنَكُمُ السَّلامَ".
سادسًا: أعدَّ خطَّة لصلة الرحم وزيارة أقاربك والتواصل مع جيرانك مسلميهم ومسيحييهم وتفقُّد حالهم، وتوثيق عرى المودة والمحبَّة معهم فأنت حصن لهم وهم حصن لك، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره"
نداء:
أيها المسلمون في كل مكان، ويا أيها الإخوان المسلمون:
أخلصوا لله دينكم، واصدقوا مع الله في كل أعمالكم، وأجيبوا نداء ربكم في الصلوات الخمس، وتدبَّروا القرآن الكريم، وأَحِلُّوا حلاله وحرِّموا حرامه، وصَدِّقُوا بوعوده وأخباره، واعتبروا بما قصه عليكم من أخبار الأولين، وتعبَّدوا الله بحب الناس، والإحسان إليهم، حتى ولو أساءوا إليكم، وكونوا إلفًا مألوفًا؛ لأنه لا خير فيمن لا يألف ولا يُؤلف، كما قال الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، وافعلوا الخير للناس أجمعين (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (سورة الحج: 77).
وصلِّ اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم..
والله أكبر ولله الحمد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.