«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كُنْ قَوِيًّا بالله
نشر في مصر الجديدة يوم 27 - 06 - 2013


فضيلة المرشد العام للإخوان المسلمين
رسالة من : أ.د. محمد بديع
المرشد العام للإخوان المسلمين



الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام الأنبياء وخاتم المرسلين، وعلى آله وصحبه والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فيا أيها المسلمون في كل مكان:
إن للكون إلهًا واحدًا يُدبِّر أمره، وينظم شؤونه، ولا يمضي في الكون إلا أمره وإرادته، وهذا من موجبات التحقق بالعبودية له، والتوكُّل التام عليه، (وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (هود: 123).
إن العالم الذي نعيش فيه لا يقع فيه إلا ما يريد الله عز وجل، وإن الخلق لو اجتمعوا على أمر لم يأذن به الله فلن يقع، وأن الخلق لو اجتمعوا على منع أمر أذن الله به فلن يمنعوه، (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (فاطر: 2).
وإن من ينصره الله لا غالب له، وأن من يخذله الله فلا ناصر له: (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) (آل عمران: 160).
وإن اليقين بذلك يجعل المسلم لا يخشى من الدنيا كلها لو اجتمعت عليه، وذلك بفضل توكله على الله تعالى تحقيقًا: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) (آل عمران: 173)، ولمَّا أحسنوا التوكل على الله أفاض عليهم سبحانه من خيراته: (فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ) (آل عمران: 174).
أيها المسلمون في كل مكان:
إن لله أولياء لا يخشون أحدًا سواه، وللشيطان أولياء يُلْقِي بالرعب في قلوبهم من كل شيء، وقد حَذَّرنا الله من ذلك فقال تعالى: (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (آل عمران: 175).
وإن مما لا شك فيه أن الكيد والمكر ضد الإسلام لم يتوقف، لكن الله سبحانه يُحْبِط مكرهم، بل يردُّه إلى نحرهم، ويرجع بالهلاك على أنفسهم: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ) (الأنعام: 123)، وقال تعالى: (وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّةَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلًا) (فاطر: 43)
المؤمن قوي الجنان.. ثابت الأركان:
إن المتأمل في الواقع العالمي، والناظر لما يدور في العالم الإسلامي، يدرك حجم المؤامرة التي دُبِّر لها بليل، وخُطِّط لها في الظلام لوقف المدِّ الإسلامي، ومنع الصحوة الإسلامية في ديار المسلمين من أن تأخذ مداها، وتقتلع ما سواها؛ لتنهض أمتهم، وترتفع رايتهم، فيعمَّ العدل، وتنتشر الرحمة، وتتحقق المساواة، ويتمتع الجميع بالحرية، ويأمن الجميع -من أسلم ومن لم يسلم- على نفسه وماله وعرضه.
وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال، كما قال ربنا: (وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ) (إبراهيم: 46)، ولكن بعدها مباشرة علاجًا لردِّ الفعل النفسي (فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ) (إبراهيم: 47)، إلا أن المسلم وأمام هذا المكر الرَّهيب، وما ينشر من أراجيف، ويُذاع من إشاعات لا يتأثر، بل ولا يتسرب إلى قلبه أدنى شك من وعد الله تعالى لنصرة دينه، وإظهار نور الإسلام: (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) (التوبة: 32).
وإن المسلم ليزداد إيمانًا وتسليمًا، كلما التفَّ الباطل وتجمع، وكشف عن كراهيته للإسلام، وأعلن عن ذلك وأفصح، وله في الصحابة الكرام الأسوة، حين تجمَّعت الأحزاب، وأحاطت بالمدينة، حتى إن أحدهم لا يقدر على أن يخرج لقضاء حاجته، لكنهم قالوا بلسان الصدق واليقين: (وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا) (الأحزاب: 22).
والموقف هو الموقف، والزمن هو الزمن، والحال هو الحال الذي قال فيه آخرون: (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا) (الأحزاب: 12).
وقد وعد الله عز وجل بنصرة من ينصره، بل ويُثبِّت قلبه فلا يزيغ لا قلبه ولا بصره، وفي المقابل يحبط أعمال الكارهين للإسلام: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ) (محمد: 7 – 9).
وعن نوع آخر يقول الله تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ * فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ) (محمد: 26 - 28).
إن كل من يكره ما أنزل الله، سيحبط الله أعمالهم؛ ف(إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ * وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ) (يونس: 81 – 82).
إن كل من يكره ما أنزل الله، لو اجتمعوا بقضِّهم وقضيضهم (لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ) (محمد: 32).
تجديد الإيمان:
إن كل ما سبق يلقي بالطمأنينة في قلوب المؤمنين، ويمنحهم السكينة والأمن، مهما تألَّبت عليهم قوى الشر والطغيان، ويدفع بالأمة أن توثق صلتها بربِّها، وتُجدِّد إيمانها بالقويِّ القادر القاهر فوق عباده الحكيم الخبير..
أيُّها المسلمون في كل مكان:
اعلموا أن صلاح أمركم، وسرُّ انتصاركم، يكمن في الإيمان الحي؛ لأنه هو الذي يحيي الضمير، ويوقظ الشعور، ويُنَبِّه القلوب، ويترك مع كل نفس رقيبًا لا يغفل، وحارسًا لا يسهو، وشاهدًا لا يجامل ولا يحابي، ولا يضلُّ ولا ينسى، يصاحبها في الغدوة والروحة والمجتمع والخلوة، ويراقبها في كل زمان ويلاحظها في كل مكان، ويدفعها إلى الخيرات دفعًا، ويدفعها عن المآثم دفعًا، ويجنبها طريق الزلل، ويبصرها سبيل الخير والشر: (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ) (الزخرف: 80).
كما أن الإيمان الحي هو الذي يجمع أشتات الفضائل، ويلمّ أطراف المكارم، ويجعل لكل فضيلة جزاء، ولكل مكرمة كفاءً، ويدعو إلى تزكية النفوس والسمو بها، وتطهير الأرواح وتصفيتها: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) (الشمس: 9 - 10).
إن الإيمان الحي قبس من روح الله تعالى، السارية في ذرَّات هذه النفوس وفطرتها، يضيء ظلامها وتشرق بنوره، ويأوي إليها فتهشّ له، فإذا تمكن منها كان كل شيء له فداء (قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) (التوبة: 24)، وقد علمنا الأستاذ البَنَّا رحمه الله أن نكون كما يجب، وكما يحب ربنا ويرضى فقال "أنتم روحٌ جديدٌ يسري في جسد هذه الأمة ليحييها بالقرآن".
واجبنا أن نزداد طاعةً وصبرًا:
وحتى نكون أهلا لأن يمدّنا الله بنصره، ويمنحنا تأييده يجب علينا أن نزداد إيمانًا بالإكثار من الطاعات، لا سيما في هذه الأيام المباركة التي كان الرسول صلى الله عليه وسلم يترقبها فإذا دخل رجب قال: "اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان".
واعلموا أن الله سبحانه قد أرشدنا إلى ما يحقق لنا معيَّته عند الشدائد والخطوب، فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) (البقرة: 153).
وإن ما يلحقنا من أذى وعنت من القريب والبعيد، والعدو والصديق، والداخل والخارج، يحتاج منا إلى لجوء وتضرع إلى الله في الصلاة، كما أنه يتطلب منا توطين النفس على الصَّبْر، وتدريبها على التحمُّل والحلم، وهذا ما حثَّنا عليه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حينَ قال: "إنَّما الصَّبرُ بالتصبُّر, إنَّما الحلمُ بالتحلُّم، ومن يتحرَّى الخيرَ يُعطَه، ومن يتوقَّ الشرَّ يوقَه". وكل ما يجري على المؤمن خير له، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سرَّاء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضرَّاء صبر فكان خيرًا له".
وبتقوى الله عز وجل وطاعته تلين لك القلوب القاسية، وبالصبر تصل إلى غايتك وتحقق ما تريد:
أَلا بِالصَّبْرِ تَبْلُغُ مَا تُرِيدُ *** وَبِالتَّقْوَى يَلِينُ لَكَ الحَدِيدُ
وكل من يحمل أمانة هذا الدين، ويبلغ هداية السماء للبشر، يجب عليه أن يتحقق بوصية لقمان لابنه: (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) (لقمان: 17).
الاستعداد لرمضان:
وفي هذه الأيام المباركة التي تسبق شهر الرحمات والنصر، يجب أن يهيئ المسلم نفسه، ويُعِدّ قلبه لاستقبال النفحات الرمضانية، وفيض الرحمات الربَّانية، وأن يخرج من هذا الشهر بأعظم الأجر والثواب، ولعله أن يفوز بالعتق من النيران، وذلك بأن يتحقق بتلك الأمور على سبيل المثال:
أولًا: المحافظة على الصلوات الخمس في جماعة، وخاصة صلاة الفجر والعشاء، فعن ابن مسعود رضي الله عنه: "أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أفضل قال: الصلاة لوقتها، وبر الوالدين، ثم الجهاد في سبيل الله"، "من صلَّى العشاء في جماعة فهو كمن قام نصف الليل، وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ... فَهُوَ كَمَنْ قَامَ اللَّيْلَ كُلَّهُ".
ثانيًا: إتقان تلاوة القرآن الكريم والوقوف على القواعد الأولية للتجويد؛ لتدخل في عداد المهرة بالقرآن الكريم وتكون مع السفرة الكرام البررة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه، وهو عليه شاق، له أجران".
ثالثًا: مراجعة ما تحفظ من القرآن الكريم؛ ليكون عونًا لك على صلاة القيام، واجتهد على أن يكون لك حظ في الليل وساعات السَّحَر، تناجي فيه ربك، وتدعو للأمة أن يحفظها من كيد الماكرين بها، وأن يجنبها فساد الحاقدين، وشر المفسدين، فلعلَّ الله أن يحفظ البلاد والعباد من مكر الداخل والخارج ببركة دعوة في السحر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن في الليل ساعة لا يوافقها مسلم يسأل خيرًا من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه، وذلك كل ليلة".
إن الشعور بالضعف والفقر والعجز بين يدي الله تعالى من أقوى أسباب تنزل القوة والنَّصر، وعلينا أن نحشد كل من حولنا للدعاء، فرُبَّ دعوة من صغير لا يعقلها كانت سببًا لتنزل الرحمات، ورُبَّ نداء سرى في جوف الليل من شيخ هرم أجابته السماء، فكان الفرج والنجاة.. وإنما ننصر بضعفائنا..
رابعًا: أن تُعَوِّد نفسك وتُدَرِّبها على عمل الخير، وتيسير المصالح للناس، والدعوة إلى المعروف ابتغاء مرضاة الله، وتحقق بقول الله تعالى: (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا) (الإنسان: 9).
واعلم أنه لن يقيك من النار إلا ما كان خالصًا لوجه الله عز وجل: (وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجزى * إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى) (الليل: 17 – 21).
ولا تحقرنَّ من المعروف شيئًا، فشق التمرة قد يعتقك من النار، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "... اتّقوا النّار ولو بِشِقِّ تمرة، فمَن لم يجد فبكلمة طيِّبة".
خامسًا: أن يبادر كل مسلم بالصُّلح والسلم الاجتماعي بينه وبين أقاربه، وبينه وبين جيرانه، وبينه وبين زملائه في العمل، وأن ينزع من قلبه الغلّ والحقد والحسد للآخرين، وأن يملأ قلبه بالحب لهم؛ لأنه الطريق الآمن إلى الجنة.. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَنْ تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَفَلا أُخْبِرُكُمْ بِمَا تَحَابُّونَ بِهِ؟ "قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: "أَفْشُوا بَيْنَكُمُ السَّلامَ".
سادسًا: أعدَّ خطَّة لصلة الرحم وزيارة أقاربك والتواصل مع جيرانك مسلميهم ومسيحييهم وتفقُّد حالهم، وتوثيق عرى المودة والمحبَّة معهم فأنت حصن لهم وهم حصن لك، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره"
نداء:
أيها المسلمون في كل مكان، ويا أيها الإخوان المسلمون:
أخلصوا لله دينكم، واصدقوا مع الله في كل أعمالكم، وأجيبوا نداء ربكم في الصلوات الخمس، وتدبَّروا القرآن الكريم، وأَحِلُّوا حلاله وحرِّموا حرامه، وصَدِّقُوا بوعوده وأخباره، واعتبروا بما قصه عليكم من أخبار الأولين، وتعبَّدوا الله بحب الناس، والإحسان إليهم، حتى ولو أساءوا إليكم، وكونوا إلفًا مألوفًا؛ لأنه لا خير فيمن لا يألف ولا يُؤلف، كما قال الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، وافعلوا الخير للناس أجمعين (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (سورة الحج: 77).
وصلِّ اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم..
والله أكبر ولله الحمد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.