لا يوجد قانون في العالم نوقش بأدق تفاصيله بقدر ما نوقش القانون الفلسطيني، فكل فقهاء الفضائيات وفقهاء القانون والدستوريين والسياسيين والمثقفين والمهمشين والمسحوقين والأميين أصبحوا خبراء وفقهاء في القانون الفلسطيني، وكلٌّ يدلي بدلوه حتى أصبح الدستور الفلسطيني يُحفظ عن ظهر قلب وسبب الصداع للمواطن الفلسطيني والعربي. تعتبر السلطة الفلسطينية حالة استثنائية وفريدة في القانون الدولي وهي حالة مستحدثة بتركيبتها وأنظمتها وتشريعاتها ولم يحدث في التاريخ أن جرت انتخابات رئاسية وتشريعية تحت السيطرة الكاملة للاحتلال على الأرض والإنسان إلا في فلسطين والعراق وأفغانستان مع الاختلاف الكلي والنوعي بين الاحتلال الأمريكي والصهيوني، ويبدو أنها من ديمقراطية القرن العشرين أو من سخرية القدر. منذ انقلاب حماس على السلطة في غزة وتعطيل المجلس التشريعي وحل الحكومة ونحن في جدل "بيزنطي" حول الشرعيات ودستورية "الفرمانات" الصادرة من هنا وهناك، هذه الحالة الفريدة منذ أربع سنوات والتي سببت الصداع للمواطن الفلسطيني وأصبح يدير الظهر لهذا الواقع المرير الذي أوصلته إليه قياداته السياسية ممثلة بسلطته وفصائله دون استثناء. وعلى أرض الواقع لم يعد هناك قانون ودستور فلسطيني منظم للحياة السياسية الفلسطينية، فلقد تم تعطيل الدستور وأحكامه منذ أن اجتاحت الدبابات الإسرائيلية أراضي السلطة وحاصرت وقتلت ياسر عرفات وأبو علي مصطفي وأحمد ياسين وقادة فصائل العمل الوطني واستباحت الدم الفلسطيني على مرآى ومسمع من العالم , وكذلك تعطل حينما رفض العالم الاعتراف بنتائج الانتخابات الفلسطينية ومنذ أن وضعت حركة فتح العصا في أدراج الحكومة التي شكلتها حركة حماس وحالة الفلتان الأمني التي اجتاحت الأراضي الفلسطينية وأودت بحياة العشرات من الأبرياء, ومحاولة إفشال تلك الحكومة, وتعطيل الدستور بعد التوقيع على اتفاق المحاصصة السياسية والتقاسم الوظيفي بين فتح وحماس عبر اتفاق مكة. نعم لقد عطل الدستور والقانون والقضاء حينما انقلبت حركة حماس على نفسها وعلى السلطة واحتكمت إلى لغة البنادق واستباحت الدم الفلسطيني في أبشع صوره وفصَلتْ جزءًا أصيلا من الوطن وقتلت العشرات وقطعت أوصال المئات من المواطنين تحت مسميات وشعارات واهية وما هي إلا مبررات لاستباحة الدم الفلسطيني. في ظل الانقسام وغياب الدستور ووجود الاحتلال كقوى مسيطرة على أدق التفاصيل في الحالة الفلسطينية لا يمكن الحديث عن الشرعيات والنظام والدستور، فهذه الحالة أفقدت الجميع شرعيته ولم يعد لأحد شرعية لا للسلطة ولا حتى لفصائل العمل الوطني والإسلامي، فقد أصبحت شرعيتها وتمثيلها أمامه كثير من علامة الاستفهام، وذلك بعد استباحة دمه وتقسيمه إلى عشائر وطوائف. ففي ظل الانقلاب على الدستور وتعطيله وغياب المصالحة والتوافق لا يمكن الحديث عن الشرعيات، فالسلطة في غزة لها نظامها وقانونها الخاص فلا تأتمر أو تلتزم بالقانون المعمول به في الضفة الغربية والعكس يحدث أيضًا، إذًا فعن أي قانون أو شرعيات نتحدث ومن انقلب على الدستور والنظام لا يحق له الحديث عن الشرعي أو غير الشرعي, من أراد الاحتكام إلى الدستور والقانون كنظام للعمل السياسي والاجتماعي والاقتصادي فعليه أن يقبل بالدستور رزمة واحدة ولا يحق له الانتقاء من الدستور كما يحلو له وذلك لخدمة أهدافه السياسية وبرامجه الحزبية الضيقة ولتسجيل النقاط فقط في خصومه السياسيين. إنني هنا أتساءل: لماذا نتحدث عن الدستور في السلطة التشريعية والتنفيذية فقط؟ ونغيب الدستور والقانون ولا نتحدث عن الاعتقال السياسي وحرية الرأي والتعبير وعن التعذيب داخل المعتقلات وحرية الانتقال من مكان إلى آخر والفصل الوظيفي من العمل بناءً على الانتماء السياسي والتضييق على وسائل الإعلام ومراقبتها وتحييد القضاء... إلخ. إن الحديث عن القانون والشرعيات هو هروب من الاستحقاق السياسي والمصالحة والوحدة الوطنية وهو فقط للمناكفات السياسية وتسجيل الأهداف في مرمى كل طرف على حساب الآخر. الحل الوحيد للوضع الفلسطيني هو سياسي بامتياز وليس قانونيا، فعلى الجميع أن يدرك ذلك جيدًا وأعتقد أن الجميع يدرك ذلك، فالمصالحة والمصالحة والمصالحة والتوقيع على الورقة المصرية والتوافق الوطني وفق وثيقة القاهرة ووثيقة الوفاق الوطني وإصلاح منظمة التحرير وإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية وفق التمثيل النسبي في الداخل والخارج هي المفتاح الوحيد للحل ولا يوجد هناك مفتاح سحري لا من الداخل ولا من الخارج قادر على إخراجنا من عنق الزجاجة. فعلى الجميع أن يدرك جيدًا أن الوقت ليس في صالح القضية الفلسطينية وأن الانقسام ساهم كثيرًا في الاستفراد في قضيتنا الوطنية المصيرية، فالقدس تُهوَّد والأقصي على شفى الانهيار، والمستوطنات قطعت الطريق على حلم الدولة والشوارع الالتفافية قسمت الوطن إلى كنتونات ومناطق عسكرية أمنية، فالوطن بحاجة ماسة إلى وحدة وطنية وإلى تكاتف الجهود لمجابهة المخططات الصهيونية الهادفة إلى تصفية قضيتنا ووجودنا. [email protected]