عندما يحذر المدير السابق للاستخبارات الفرنسية، إيف بونيه، من المال القطري واستعمالاته في تمويل الجماعات المتطرفة، فإنه يجب أخذ هذا التحذير بعين الاعتبار. أولا، لأن الرجل يعرف مدى خطورة تدخلات قطر ودعمها للجماعات المسلحة ليس في سوريا أين تريد قلب النظام فحسب، وإنما أيضا في مصر وتونس ومالي، خاصة مالي التي يقول عنها إيف بونيه إن قطر بدأت تعبث هناك منذ الثمانينيات. بونيه قال، يجب فتح الملف القطري، وهذه خطوة هامة، خاصة إذا جاءت من فرنسا، أين تحاول قطر تكميم الأفواه، ليس بشراء فريق سان جرمان فحسب، وإنما أيضا في محاولة الاستثمار في الضواحي وهنا يكمن الخطر، فسكان الضواحي في غالبيتهم من المهاجرين الذين يعانون من سوء الإدماج ومن ظروف اجتماعية صعبة، وصاروا طعما سهلا لتجار الدين الممولين بالمال القطري والسعودي وبمال المخدرات. أعرف أنه ليس من السهل الحديث عن فتح ملف حول المال القطري في الجزائر، فحتى الساعة تبقى استثمارات هذا البلد تسير وفق الشروط القانونية، ولم تخرج عن هذا الإطار على الأقل في الجزائر، أما خارج حدودنا فهي تحاول إحاطة الجزائر بحزام من النار، سواء في مالي، أين تدعم وتسلح الجماعات المتطرفة، أم في ليبيا أين ساهمت في قلب النظام، وما تزال رغم محاولة محاصرة تأثيرها من طرف بعض الأطراف السياسية، تحاول الحصول على موطئ قدم لها طمعا في التأثير في السياسة الداخلية والخارجية للبلاد، بما يسمح لها بإقامة الإمارة الإسلامية التي ستضم كلا من ليبيا، تونس ومصر إلى الإمارات، على أن يكون أميرها، أمير قطر. ومن هذا المنطلق ما زالت قطر تدعم نهضة الغنوشي في تونس، سياسيا، وتسلح ذراعها السلفي بما يسمح لها بالبقاء في الحكم ودائما بهدف إقامة إمارتها الإسلامية. وإن كان هذا الحلم صعب التحقيق لأن الوضع في مصر يقف حجر عثرة أمام المشروع القطري، فمعارضة مرسي قوية ومنظمة، ضف إلى ذلك الرصيد الثقافي والحضاري المصري الذي لن يسمح لا للإخوان بإقامة الخلافة الإسلامية على أرض مصر، ليس فقط لأنها مستحيلة التحقيق أمام تنامي الوعي في الشارع المصري المناهض للمشروع الإخواني، ولا لقطر لأن تكون قوة فاعلة في هذا المجتمع العريق بمؤسساته الجمهورية وتقاليده الدستورية. فلو فتح بونيه الملف القطري، سيقف المجتمع الدولة حتما، بل ستقف مصر وتونس ومالي وسوريا على حقيقة مرعبة، وهي أن المال القطري لا يستثمر إلا في مجالات تدمير البنى الاجتماعية للبلدان التي دخلها، ولا أعني هنا فرنسا، بل البلدان العربية، فلحد الآن لم تقدم قطر ال20 مليار دولار التي وعدت بها مصر، ولم تساهم في حل مشاكل البطالة والاستثمار في تونس، التي تتطلع لشراء أراضيها الفلاحية وقصورها، مثلما كانت تتطلع لشراء قناة السويس شريان الاقتصاد المصري، فإلى جانب شحن الأسلحة التي ترسلها لهذه البلدان، فهي تعمل مثل السعودية على نشر الفتاوى الجهنمية المخالفة لتعاليم الدين، وكلها تدخل في إطار مخطط شيطاني لإلحاق أكبر ضرر بهذه المجتمعات. فهل سينجح بونيه في فتح هذا الملف يوما ما ونحن ندري أن المال القطري قادر على تكميم الأفواه في كل مكان حتى في فرنسا، والدليل كيفية فوزها بتنظيم كأس العالم؟! نقلا عن صحيفة "الفجر" الجزائرية