جون كينيدي يعلم جميع العاملين في أجهزة الإستخبار أنه لا توجد أرض أكثر خصوبة للعمل الإستخباري من الجماعات العرقية والدينية والطائفية , فهي مرتع للعمل الإستخباري , ينشط فيها الصراع في أقبح صوره مما يسهل من مهمة رجال الإستخبار , ويجعل قدراتهم علي النفاذ والوصل إلي مايريدون أكثر سهولة , تماما كالسكين في الزبد. ومع ان الكثيرين قد ينفرون من هذه المقدمة , إلا أنه للأسف الشديد فالعين الخبيرة والدارس الحصيف , يجد في أرشيف أجهزة المخابرات عمليات إختراق لا حصر لها ولا مثيل , عمليات قام بها رجال لم يتصور احد ان يقوموا بمثلها , وسقطت فيها رؤس لم يكن يتخيل أحد أن تكون هذه الرؤس التي دعت للوطنية يوما ما , ان تكون متورطه بمثل هذا الشكل في بئر الخيانة. ومن أشهر الأمثلة التاريخية , هي عملية خليج الخنازير, وهي بإختصار عملية إنزال تمت لثوار مناهضين لحكم فيدل كاسترو في كوبا , العملية تمت بتدريب ودعم وإشراف كاملين للولايات المتحدةالأمريكية للقضاء علي حكم كاسترو , وقد تمت قبل أزمة الصواريخ الكوبية في أوائل الستينات من القرن الماضي. العملية تمت كماقلنا بإشراف كامل لجهاز الإستخبارات المركزية الأمريكية والتي مازالت إلي اليوم عارا يتخفي ويستتر منه الأمريكان , فقد فشلت فشلا ذريعا , فبعد أن قامت القوات الأمريكية بإنزال الثوار إلي خليج يسمي خليج الخنازير , وفي نفس الوقت تقوم القوات الجوية الأمريكية بالتمهيد لإنزال الثوار (الذين كانوا في المنفي وجمعتهم ال سي اي ايه ودربتهم وامدتهم بالدعم اللوجيستي) , من خلال ضرب قواعد الطيران الكوبي , والتي بالطبع غيرت من اماكن الطائرات مما أدي إلي فشل الثوار في نهاية الأمر وحصارهم والقضاء عليهم من خلال جيش كوبا بقيادة الثائر فيدل كاسترو. وكانت نتيجة العملية أن الجيش الثوري الكوبي قد أسر 1179 شخصاً من مجموعات الإنزال واستولى على خمس دبابات ثقيلة (شيرمان) وعشرات من الأسلحة الفردية وثمانية رشاشات ثقيلة والكثير من الرشاشات والأسلحة المضادة للطائرات وعشر سيارات نقل عسكرية وتم إغراق أربع سفن وإسقاط 12 طائرة قاذفة. وبالتحقيق مع الأسرى تبين أنهم جميعاً من أنصار باتيستا وأنهم جميعاً قد صرحوا بأن الاستخبارات الأمريكية قد دربتهم، وكان لفشل العملية صدمة حقيقية للقيادة الأمريكية، وللرئيس الأمريكي جون كينيدي ذاته. كانت نتائج العملية كارثية , فقد اثبتت فشل جهاز المخابرات الأمريكية في تحقيق سيادة الولاياتالمتحدة علي العالم بل والتشكيك في أهدافه وأساليبه, وتسببت تلك العملية بإنطلاق أكبر موجة تصفية لجهاز السي أي ايه , وتحقيقات لا نهاية لها , بالكاد لم ينجو من نتائجها إلا رجل المخابرات الوقائية الذي أشتهر بإسم الراعي , أو كما سماه أعدائه من الكي جي بي الأم. هذه كانت حقائق التاريخ , والتي لا يستطيع أن ينكرها أحد , وعودا إلي المقدمة , وبالأخص لهؤلاء الثوار المنفيين الذين استغلت وكالة الإستخبارات الأمريكية حالتهم في المنفي وسيطرت عليهم تحت دعاوي , تحرير كوبا من حكم كاسترو الديكتاتور , وعودتهم إلي بلادهم في رداء الثوار وكحكام البلاد الجدد, هؤلاء لم يكونوا إلا ضحايا لعبة الإختراق وحرب المخابرات التي لا تتم إلا بالوكالة , فالأمم التي تعي دور الإستخبار جيدا لا يحاربون ولا يبدؤن حربا , بل يمهدون الأرض ويؤلبون الأطراف بعضها علي بعض , حتي يخرجوا من العملية بأقل الخسائر , والأهم لا يتورطون إعلاميا في شئون الغير , حتي وإن كانت النتيجة القضاء علي حلفائهم في هذه اللعبة. إن تعدد الجماعات , وتسلط إحدها علي البقية , وسياسة السيطرة والهيمنة المطلقة علي الحكم , والإمعان في سياسة التهميش والإقصاء, وتشويه المعارضة وتخوينها , وإبعاد الوطنيين وتدميرهم , سياسات لا تعتبر في نظر الدارس والمتأمل أكثر من إعداد بيئة مناسبة لعمل أجهزة الإستخبارات المعادية , وزيادة قدرتها علي النفاذ داخل صفوف المعارضه والمهمشين تحت دعاوي لانهاية ولاحصر لها تميل معها النفوس ويشق بها الصف , للدرجة التي تصل إلي تحويلها تدريجيا من المعارضة السلمية إلي المعارضة المسلحة ,وأن تجتمع من شتات المنفي لتكون جيوشا تعود لبلادها تحمل الموت والخراب وما كانت ابدا سوريا بالبعيدة عنا , فمنذ سنة لم يكن يمتلك الجيش السوري الحر , سوي بعض الرشاشات , واليوم أصبح يمتلك المجنزرات بل والطائرات فمن أين أتت , ومن يدعمها , ولماذا. هذه لم تكن ابدا قفزه علي التاريخ , ولكنها كانت ومضه خاطفه , عساها تهدي من يفرق ويشتت , ظنا منه انه يمكن ويتمكن. وعساها تكون سببا في أن تستمر المعارضه علي مواقفها من رفض تدخلات عملاء ال سي أي ايه ومحاولاتهم للنفاذ داخلها. علاء سعد خبير وإستشاري نظم المعلومات