علاء سعد "خبير واستشاري نظم المعلومات" يعلم جميع العاملين في أجهزة الاستخبار أنه لا توجد أرض أكثر خصوبة للعمل الإستخباري من الجماعات العرقية والدينية والطائفية. فهي مرتع للعمل الإستخباري، ينشط فيها الصراع في أقبح صوره مما يسهل من مهمة رجال الاستخبار، ويجعل قدراتهم علي النفاذ والوصل إلي مايريدون أكثر سهولة. ومع أن الكثيرين قد ينفرون من هذه المقدمة، إلا أنه للأسف الشديد فالعين الخبيرة والدارس الحصيف يجد في أرشيف أجهزة المخابرات عمليات إختراق لا حصر لها ولا مثيل , عمليات قام بها رجال لم يتصور احد ان يقوموا بمثلها وسقطت فيها رؤوس لم يكن يتخيل أحد أن تكون هذه الرؤوس التي دعت للوطنية يوما ما , ان تكون متورطه بمثل هذا الشكل في بئر الخيانة. ومن أشهر الأمثلة التاريخية , هي عملية خليج الخنازير وهي باختصار عملية إنزال تمت لثوار مناهضين لحكم فيدل كاسترو في كوبا العملية تمت بتدريب ودعم وإشراف كاملين للولايات المتحدةالأمريكية للقضاء علي حكم كاسترو، وقد تمت قبل أزمة الصواريخ الكوبية في أوائل الستينات من القرن الماضي. العملية تمت كماقلنا بإشراف كامل لجهاز الإستخبارات المركزية الأمريكية والتي مازالت إلي اليوم عارا يتخفي ويستتر منه الأمريكان , فقد فشلت فشلا زريعا , فبعد أن قامت القوات الأمريكية بإنزال الثوار إلي خليج يسمي خليج الخنازير , وفي نفس الوقت تقوم القوات الجوية الأمريكية بالتمهيد لإنزال الثوار (الذين كانوا في المنفي وجمعتهم ال سي اي ايه ودربتهم وأمدتهم بالدعم اللوجيستي) من خلال ضرب قواعد الطيران الكوبي والتي بالطبع غيرت من أماكن الطائرات مما أدي إلي فشل الثوار في نهاية الأمر وحصارهم والقضاء عليهم من خلال جيش كوبا بقيادة الثائر فيدل كاسترو. وكانت نتيجة العملية أن الجيش الثوري الكوبي قد أسر 1179 شخصاً من مجموعات الإنزال واستولى على خمس دبابات ثقيلة (شيرمان) وعشرات من الأسلحة الفردية وثمانية رشاشات ثقيلة والكثير من الرشاشات والأسلحة المضادة للطائرات وعشر سيارات نقل عسكرية وتم إغراق أربع سفن وإسقاط 12 طائرة قاذفة. وبالتحقيق مع الأسرى تبين أنهم جميعاً من أنصار باتيستا وأنهم جميعاً قد صرحوا بأن الاستخبارات الأمريكية قد دربتهم، وكان لفشل العملية صدمة حقيقية للقيادة الأمريكية، وللرئيس الأمريكي جون كينيدي ذاته. كانت نتائج العملية كارثية فقد أثبتت فشل جهاز المخابرات الأمريكية في تحقيق سيادة الولاياتالمتحدة علي العالم بل والتشكيك في أهدافه وأساليبه, وتسببت تلك العملية بانطلاق أكبر موجة تصفية لجهاز السي أي ايه , وتحقيقات لا نهاية لها , بالكاد لم ينجو من نتائجها إلا رجل المخابرات الوقائية الذي أشتهر بإسم الراعي , أو كما سماه أعدائه من الكي جي بي الأم. هذه كانت حقائق التاريخ والتي لا يستطيع أن ينكرها أحد وعودة إلي المقدمة وبالأخص لهؤلاء الثوار المنفيين الذين استغلت وكالة الاستخبارات الأمريكية حالتهم في المنفي وسيطرت عليهم تحت دعاوي تحرير كوبا من حكم كاسترو الديكتاتور وعودتهم إلي بلادهم في رداء الثوار وكحكام البلاد الجدد هؤلاء لم يكونوا إلا ضحايا لعبة الاختراق وحرب المخابرات التي لا تتم إلا بالوكالة , فالأمم التي تعي دور الاستخبار جيدا لا يحاربون ولا يبدؤون حربا بل يمهدون الأرض ويؤلبون الأطراف بعضها علي بعض حتى يخرجوا من العملية بأقل الخسائر والأهم لا يتورطون إعلاميا في شئون الغير حتى وإن كانت النتيجة القضاء علي حلفائهم في هذه اللعبة.