بغض النظر عن السعادة التي تنتابني حينما أعلم أن ثمة هزيمة قد لحقت بالنادي الأهلي لأني لا أتابع مبارياته من الأساس ، فإن مسألة هزيمته مرتين خلال شهر واحد تدفعني للحديث عن نعمة الاستقرار التي تظل غائبة عن مصر منذ عامين تقريباً، ولست ممن يهللون للتحليلات الرياضية التي تشبه حكايات ومسامرات المقاهي بمنطقة عشوائية بعيدة تماماً عن التحليل الرياضي الذي أشاهده بقنوات الجزيرة الرياضية على سبيل المثال ، فتلك التحليلات المصرية الطعم واللون والرائحة لا تزال تتحدث عن دور الجمهور ، وارتفاع أعمار بعض اللاعبين ، ونوعية أرض الملعب ، وغير ذلك من القصص والحجج السخيفة التي تظل عالقة بأذهاننا نحن فقط. ولكن بغير تحليل لهزيمة النادي الأهلي مؤخراً على أقدام حرس الحدود لأن هذا الأمر يخص النقاد الرياضيين وحدهم ، فإن مسألة هزيمة ناد كبير بحجم الأهلي يعيد إلى أذهاننا فكرة أن الكبير دائماً يعشق العمل في استقرار ومناخ أكثر ثبات. وهذا ما يفتقده النادي الأهلي باعتباره أحد الفصائل التي تعيش على أرض المحروسة. إن كافة الأوضاع باستثناء حكومة الدكتور هشام قنديل غير مستقرة ، وأن المشاهد اليومية التي أصبحنا جزءاً منها وصارت هي سمة رئيسة في حياتنا جميعها تدلل على وجود أزمات مستدامة وفجوة عميقة بين خيال الثورة وبين واقع تطبيقها ، ويكاد يثق المواطن أن العيب لا يستقر بالنظام وحده أو بسياساته بل هو بالفعل أصبح عاملاً رئيساً في شيوع هذا المناخ المضطرب واتساع الفجوة بين أحلام الثورة الوردية وبين إجراءات تنفيذها على أرض الواقع. نعم النظام الحاكم برئاسة الدكتور محمد مرسي سيظل مخطئاً في كثير من سياساته لا لأنه مرتبط أيديولوجياً بجماعة الإخوان المسلمين التي تعاني من لعنات الغضب وصفعات المعارضة غير المنقطعة ليل نهار ، ولكن باختصار لأن هذا النظام كان عليه الاستفادة أولاً من أخطاء نظام مبارك الذي انفصل تماماً عن بيئته الرئيسة ، وانعزل بمأمن عن مشكلات مجتمعه فكانت النتيجة حاسمة وهي إسقاط مبارك نفسه، وثانياً أن النظام الحاكم لم يعي ضرورة قراءة المشهد السياسي من خارج الإطار أو بعبارة علماء النفس خارج الصندوق ، ومعرفة كيفية التعامل نفسياً واجتماعياً وإعلامياً مع الشعب المصري الذي يرتبط وجدانياً بأصوله الفرعونية الضاربة في الاستعلاء ، وانتمائه العربي الإسلامي الذي يجمع بين صفات عديدة وربما بعضها متباينة. وإن كنا نلقي اللوم على النظام الحاكم في فشله في التعامل مع شعب ذي طبيعة استثنائية ، فإن الشعب نفسه يتحمل قدراً ومساحة كبيرة في أسباب هذه الفوضى التي نحياها ونعيشها وبالتأكيد سيحصد أبناؤنا نتاجها ، فالمواطنون الذين عزفوا لحناً جميلاً طيلة أيام الثورة وما بعدها من ساعات قصيرة هم أنفسهم الذين أصبح بعضهم يصر على تقويض الوطن وإن كانوا بالفعل يعانون من سماكة جلد الحكومة وعدم تنفيذ مطالب الثورة، ويعانون أيضاً من صمت النظام الحاكم تجاه ما يحدث في شوارع مصر الآن . لكن بعض هؤلاء يمارسون الفوضى تحت دعاوى متعددة ؛ المقاطعة ، والعصيان ، والاحتجاج ، والاقتحام ، ولقد قلت سابقاً أن الشعب المصري يستطيع بحق أن يقوم بثورة في أي وقت وزمن وتاريخ ، لكنه وهو يثور يُسقط كل مظاهر وصنوف الظلم والقهر ، لكنه لا يفطن بعد لماهية البناء.. وهذا ما يعوق تحقيق الاستقرار. لقد خسر الأهلي مباراته أمام حرس الحدود لأنه بالفعل جزء من نسيج هذا الوطن ، وهذا الوطن بحق غير مستقر بل يبدو مضطرباً بصفة يومية.