كشفت الأحداث الأخيرة التي وقعت في الأيام الماضية , عن وقوف الشرطة المصرية موقف ينحاز إلي النظام القائم , وهو موقف ما كان لها أن تتواجد فيه , لأنه أساء إلي صورتها كثيرا , وجعلها محطا لكل اللعنات التي يصبها عليها الناس , فضلا عن ترسيخ الكراهية التي تسبب في كل حالات الانفلات الأمني .. وسوف تظل الشرطة علي حالها, ما لم نتحرك نحو تأسيس شرطة جديدة تقوم علي احترام آدمية الفرد, وتخضع للقانون. وتكون لها رسالة محددة هي حفظ الأمن والنظام, وتطبيق القانون. نريد لها أن تطبق القانون علي الجميع وبحزم لا تهاون فيه. نعترف أن الشرطة أصبحت لا تعمل , ولا عمل لها إلا مستندة النظام الحاكم , وهو ما أثر كثيرا علي عملها الشرعي والرسمي , وهو عملها الجنائي في تطبيق القانون ومنع الجريمة , مهما حاول البعض أن يدعي , فلا زلنا نسمع عن عصابات السرقة والخطف وفرض الإتاوات والترويع , وخوف الناس من السير ليلا , فضلا عن ارتباك العاصمة , وازدحام شوارعها بالمخالفات , من كل الأنواع . لأجل هذا أعدنا فكرة إعادة بناء الشرطة لتصبح شرطة الشعب والقانون. عملية بناء الشرطة, تشمل تغييرات شاملة وجذرية في المبادئ الأساسية الحاكمة لعمل الشرطة في المرحلة الحالية . وهي جزأين هما: أولا: فلسفة عمل الشرطة. وهي مجموعة الأفكار حول طبيعة عمل الشرطة, ودورها الأمني والاجتماعي, ومدي خضوعها للقانون, والرقابة علي أعمالها, ومحاسبة رجالها علي أعمالهم المهنية. يقتضي الأمر وجود تشريعات جديد للشرطة تحقق لها نوع من الاستقلال عن الجهات السياسية والحكومة , وأن لا تكون الشرطة جزء من السلطة التنفيذية, وفضلا عن هذا توضع تحت تصرف الشعب . فعلي سبيل المثال : عسكري المرور الذي يقف في الشارع من أجل ضبط حركة المرور , فانه عندما يحرر مخالفة لسيارة , لا يعنيه من بداخل السيارة ولا صاحبها , ولتحقيق هذا الأمر يتطلب حماية رجل المرور من تعسف السلطات التي ترهبه وتؤثر في قراره . وحمايته من الحصانات التي تمنع تطبيق القانون , والوظائف التي من شأنها التحكم فيه , سواء بالنفع أو الضرر . وينسحب موقف عسكري المرور علي كافة رجال الشرطة العاملين في المراكز والأقسام. لأن ضابط الشرطة في قسم الشرطة , يجب أن يؤدي عمله في حياد تام , هو الذي يتلقي بلاغات المواطنين الأولية , فإننا نريد أن له أن يتلقي البلاغ بحياد , ويقف أمامه الشاكي والمشكو في حقه علي قدم المساواة , ثم يتحرك البلاغ إلي النيابة العامة التي تتولي الأمر كله .. يقودنا هذا إلي ضرورة توفير نوع من الحماية لرجال الشرطة, ووجود نظام قانوني يسبغ علي وظيفتها صفة الشرعية, بحيث يصبح أي انحراف عن هذا المفهوم تجاوزا وخروجا علي نطاق الشرعية والقانونية.وفضلا عن هذا اختيار نوعية من الضباط ورجال الشرطة لم تتأثر بعقلية الشرطة الماضية, ووضع نظام جديد وصارم للمحاسبة والعقاب. ويقتضي هذا أيضا أن نضع آليات جديدة لنظام إعداد الشرطة, وبحث جدوى الطرق الحالية لإعداد رجال الشرطة, وان نميز بين من يتم إعدادهم لتولي وظائف الشرطة بمعناها العام وهو الشرطة الجنائية, وبين الشرطة القتالية. وأن نميز بين دور الشرطة في حفظ الأمن والنظام في الأوقات العادية , ودورها في أثناء الاضطرابات, وهو ما يعالجه قانون الطوارئ . ثانيا :البناء الفعلي للشرطة . ويشمل تخطيط احتياجات الشرطة, سواء القوة البشرية أو المعدات اللازمة. وتنظيم أسلوب العمل, وتحديد القواعد العامة التي تلتزم بها الشرطة في عملها. كما أنه ينبغي أن نميز بين الشرطة الجنائية من حيث هي تتبع الجريمة بعد وقوعها لضبط مرتكبيها , وبين وظيفتها الإدارية لمنع وقوع الجريمة . وظيفة الشرطة لمنع وقوع الجريمة تتولاها أجهزة جمع المعلومات, والأجهزة المعاونة, وباقي أجهزة الدولة التنفيذية, ولها أن تستعين بتلك الأجهزة لتحقيق الأغراض التالية: المحافظة علي الأمن العام, والتي يتحقق فيها الشعور بالطمأنينة, وإزالة المخاوف من أي أخطار تهدده, سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية . حماية النظام العام. وذلك لتوفير بيئة مناسبة كي يتمكن أفراد المجتمع من مباشرة أنشطتهم في سهولة ويسر دون مضايقة أو تعطيل. تنفيذ ما تفرضه قوانين الدولة ولوائحها.وهي القوانين التي تدير وتضبط حركة الدولة وعلاقتها بالشعب, ومنها القوانين المتعلقة بمصالح المواطنين, وتأمين طعامهم وحياتهم وصحتهم وحركتهم في الشارع, وتنفيذ قوانين الضرائب والمحال العامة,ومقاومة الآفات والأمراض التي تلم بالبشر والثروة الحيوانية والنباتية , وغيرها من المهمات . يقودنا هذا إلي ضرورة أن تتكاتف أجهزة الدولة كلها من أجل إنشاء جهاز شرطة جديد بفلسفة جديدة , وإعادة النظر في أمر تسليح قوات خاصة من الشرطة , لمواجهة الحالات الملحة من تعدي العصابات المنظمة علي الممتلكات والمنشآت , والتجمعات الخارجة علي القانون , والتي تحاول هدم الديمقراطية . وفرض القانون , وتنفيذ الأحكام . حتى يشعر المواطن بالأمن والطمأنينة التي افتقدناها , وتخرج الدولة من الرمال المتحركة . وهذا يتطلب تجميع كافة الأفكار, من كافة الاتجاهات, ومقارنة أجهزة الشرطة في الدول المتقدمة, والتي نجحت إلي حد كبير في تطبيق معايير حقوق الإنسان, وتحقيق المعادلة الصعبة. بين الأمن والأمان , واختيار أنسب تلك الأنظمة .