جرت العادة أن يأتي الشتاء ونرتعش نحن من البرد.. لكن شتاء هذا العام قد أتى ولم يرتعش أحدنا، لا نحن ولا الشتاء، من البرد.. هل يا ترى نسي الشتاء نفسه بين أحضان الخريف، يتغزل بتساقط أوراقه الصفراء، أم أنه يشمت لتساقطها؟!. هل نسي الشتاء صداقته مع ينبوع الماء وهو مازال في انتظار قطراته ليتدفق من جديد؟!. هل نسي أن زهر البابونج والنرجس وشقائق النعمان في انتظاره منذ عام مضى، ولن تظهر على سطح الأرض من دون طلته البهية؟!. هل نسي أنه وكما للنظر في أوراق الخريف متعة أن للربيع كل المتعة، وأنه لن يندم لو أتى؟.. هل نسي أنه وعندما يأتي ليثبت مكان إقامته في أرواحنا وقلوبنا ننسيه أن له وطناً غير هذه الأحضان؟.. هل نسي الصباحات الفيروزية معلنة الفرح عندما يطل عليها؟.. هل نسي فناجين القهوة المعطرة برائحة الهيل، والتي لا تسكب إلا في حضرة صباحه؟.. هل نسي أن حبله السري مازال معلقاً بالأرض، وأنه من دونها لا يستطيع العيش بعيداً أو طويلاً؟.. أما نحن فلم ننسَ أن الشتاء هو حياتنا.. هو أن نلتفّ بمعطف في مساء شتوي يقربنا من بعضنا بعضاً طلباً للدفء، وعندما يحضر الدفء نحنُّ للشتاء ثانية؟.. لم ننس حين تهبط حباتك من السماء بقدرة فائقة وقد كتب على كل حبة اسم صاحبها الذي ستنزل عليه. لم ننس أنه وبفضلك نتحلّق حول المدفأة مساء كل يوم، نقلب حبات الكستناء عليها بفرح ودفء يسري في الأطراف دون استئذان. لم ننس كرمك حين تحضر معك العوامة، والفول النابت، والشمندر، والبليلة، والبرتقال الشهير، والكرمنتينا. لم ننس أنك من تبعث الحياة من جديد لبردى كل عام، فتعيد الخير وتضج الحياة على ضفتيه. لم ننس أنك من تقدم في كل عام الثلج كضيف شرف على شهورك الكريمة فيكسو نفوسنا ببياضه الناصع، ويجلو القلوب من كربها المعتق.. نحن لم ننس.. فهل نسيت كل ذلك؟.. أم أنك تتجاهلنا لفترة.. حتى تتعرف على مدى أهميتك وعظمتك في نفوسنا؟.. لا عليك.. لا عليك.. فأنت مازلت لنا الحياة، ومازلت لنا الأمل، ومازلت لنا الحب.. فهل من قدوم مكلل بشلالات الفرح وجبالٍ بيضاء كقلبك وقلبنا؟!.