48 ساعة ويبدأ الشتاء رسمياً فى 21 ديسمبر يتقدم البرد أو يتأخر لكن الشتاء لا يخلف موعده، من المؤكد أن هناك حكمة فى ذلك، فكل الفصول تبدأ يوم 21 وتنتهى يوم 20 ماعدا الصيف الذى طمع فى يومين زيادة فاختلفت نهايته إلى 22 لتصيب بداية الخريف بخلل التأخر حتى يوم 23. يقولون إن الشتاء هو الرجل، وأنه فصل العزم والحزم، ويقول أهل اللغة إن الشتاء هو الكساء، وهو الموضع الخشن، وصدر الوادى و«القحط»، والبرد، والمجاعة، وفى الأساطير يبدو الشتاء مرادفاً للموت والزوال، ففيه تذبل الأغصان النضرة، ويكتمل سقوط أوراق الأشجاروتموت الأزهار، وتنتهى مهمة الإله أدونيس فى الحياة ويعود إلى عالم الموتى مودعاً أفروديت إلهة الجمال إلى برسيفونى ربة الموتى، حيث يستمر هناك حتى يطل الربيع من جديد فيعود وسط احتفال الطبيعة البهيج. هذه النظرة السلبية للشتاء تنكر قدرته الإيجابية على إنبات الزراعات، ورى الأرض الظامئة والمتلهفة لأمطار الخير، كما تنكر أن للشتاء ميزات كثيرة أعظمها استكمال فضيلة التنوع مع الفصول الأخرى، والقدرة على مواجهة قسوة الطبيعة بالإرادة البشرية والدفء الإنسانى. وبرغم أن أساطير الغرب ظلمت الشتاء، فإن عدداً كبيراً من المفكرين والفلاسفة المعاصرين أشادوا به، بل إن مفكراً شهيراً هو الفرنسى شارل مونتسكيو تغزل فى الشتاء وأهل الشمال عموماً، ودعم رأيه بأن عواصم معظم الدول تقع فى الشمال، وفى هذه الطريقة أكد خبراء اقتصاد كثيرون نفس الرأى وفق مقولة «لا تستثمر فى دولة بلا شتاء». وعلى المستوى الدينى نتذكر مقولة سيدنا عمر بن الخطاب «الشتاء غنيمة العابدين»، مشيراً إلى أن العابد فى الشتاء يقصر نهاره فيشجعه على الصيام ويطول ليله ليتمتع بالقيام، وهكذا قال القدماء «الشتاء ربيع المؤمنين» ليثبت لنا هذا القول إن لكل فصل جماله وخصاله وإضافته للحياة، حتى أن المرة الوحيدة التى ذكر فيها الشتاء فى القرآن الكريم تدلنا على إن للصيف رحلة وللشتاء رحلة «لإيلاف قريش إيلافهم، رحلة الشتاء والصيف..» وفى رحلة الشتاء لا ينبغى أن نشعر بالبرد من دون أن نشعر بالدفء، ولا ينبغى أن ندخل فى «بيات شتوى». بل يجب أن نعوض الشمس الخجولة بشمس أكثر إشراقاً تسطع فى سماء روحنا لتملأ حياتنا بالنور والنشاط والأمل، فالشتاء هو فصل العمل والدأب، وهو باختصار نهاية وبداية.. نهاية الخريف، وبداية الربيع، وربما لذلك تبدأ الفصول فى انتظامها بعد اختلال المواعيد فى الخريف فلنستعد لشتاء يجلب الربيع.