لقد أعطى الإسلام للإنسان مجالاً رحبا للتمتع بحريته, فالأصل الأولي في الإسلام هو إن يتمتع الإنسان بالحرية المطلقة, إلا في الحالتين: 1. أن بسبب التمتع بالحرية الشخصية تجاوزا على القوانين الإلهية الملزمة, كأن يشرب الخمر أو يرتكب الزنا أو اللواط وغيرها , فان في هذه الموارد يجب ردع المتجاوز من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بشرائطها الخاصة التي نص عليها الفقهاء في الكتب الفقهية . 2. أن يشن الإنسان عدوانا على الناس أو يتعدى على حقوقهم , ويخل بنظام البلد , كالقتل والسرقة والاحتكار وغيرها , فأن للدولة الحق في إن تمنعه من ذلك. وهذه القيود الإسلامية, هي من الأمور التي يتحقق بها الأمن والسلام الاجتماعي, ويؤدي إلى سيادة الأخلاق الحسنة إن يرتضيها المنطق السليم, لكي يرتقي دور الإنسان الايجابي في الحياة, فالإسلام إنما جاء لتحرير البشر من القيود التي ترهقهم , كما يقول سبحانه وتعالى:"وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ "(لأعراف /157). الرفق أسلوب الدعوة إلى الإسلام : بعد إن اتضحت مساحة الحرية الواسعة التي يقررها الإسلام في قضية الاعتقاد , نجد إن أسلوب الدعوة يستند إلى الرفق والسلم لا إلى العنف والإكراه بكل تجلياتهما , كما يقول سبحانه وتعالى:" ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ "(النحل:25). فالحكمة والموعظة الحسنة, ومقارعة الحجة بالحجة وصولا إلى الصواب, هي أساليب الدعوة الإسلامية, ويقول الله تعالي:" لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ"(البقرة/256). تقرر حقيقة مهمة, هي إن الإكراه هو الغي الذي يمثل العروة الوثقى في الدعوة المحمدية . وهذه الصفة, هي التي جعلت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأصحابه : "إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق"(حسنه الألباني). "ولا تكرهوا عبادة الله إلى عباد الله, فتكونوا كالراكب المنبت الذي لا سفر قطع ولا ظهر أبقى" وترك الرفق في الإسلام واعتماد الإكراه ، معناه الغلو الذي حذر منه الإسلام كثيراً ووردت الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي تصرح برفضه وتحذر من خطره منها: قوله صلى الله عليه وسلم "رجلان لا تنالهما شفاعتي صاحب سلطان عسوف غشوم وغال في الدين مارق"(حسنه الألباني) ، وكما ورد "صنفان لا نصيب لهما في الإسلام الغلاة والقدرية" كما ان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذا لم يتم برفق كان صاحبه كالراكب المنبت الذي يبعد الناس عن الدين أكثر مما يدعوهم إليه، فقد قال تعالى يخاطب رسوله الكريم"فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ "( آل عمران/159" . وورد في الأثر القول " إنما يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر من كانت فيه ثلاث خصال: عامل بما يأمر به وتارك لما ينهى عنه ،عادل فيما يأمر، عادل فيما ينهى، رفيق فيما يأمر، ورفيق فيما ينهى" فالرفق سلوك إسلامي عام يكون سبيلا لعزة المسلمين في الدنيا والآخرة، لذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" غفر الله عز وجل لرجل كان من قبلكم سهلا إذا باع ، سهلا إذا اشترى , سهلا إذا قضى ،سهلا إذا اقتضى"(الترمذي وحسنه).