يبدو أن حجم الحقيقة من التدليس في موضوع هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي أعلن عن إنشاء صفحة لها علي موقع التواصل الاجتماعي "الفيس بوك" لا يعلمه إلا الله. ولم يؤد الجدل الذي احتدم بين الرافضين والمؤيدين في كشف أبعاد الموضوع الحقيقية. وإنما ساهم في تضخيم وإضافة لمسات بوليسية علي تفاصيله خاصة بعد تبرؤ حزب النور السلفي من الهيئة ونفي أي ارتباط بين الحزب وبينها. وإصرار المشرفين علي الصفحة التي حملت شعار حزب النور في بداية تدشينها علي أن الهيئة مدعومة بتأييد الحزب وتتلقي أموالاً من قادته. بالرغم من أنه كان من المتوقع ان تقودنا الضجة الكبيرة التي أثيرت حول الهيئة إلي الوقوف علي ماهيتها ومصادر تمويلها والجهات التي تدعمها يقيناً ودورها وآليات عملها في المستقبل حال ظهورها. ولكن طريقة تعامل بعض المنابر الإعلامية مع الموضوع تدفعنا إلي الحذر والحيطة. إذ تحرص هذه المنابر علي نشر أخبار أغلبها غير موثق ويستند إلي معلومات مجهولة المصدر. وصلت لدرجة تداول مقاطع وصور مقتطعة من بعض الأفلام الشهيرة ونسبت ما فيها من تصرفات وأعمال عنف لأفراد ينتمون إلي هذه الهيئة للتدليل علي وجودها وخطورتها وإثارة البلبلة والذعر بين الناس. السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: لماذا يستميت البعض في التهويل والتضخيم والنفخ في موضوع لم يثبت بأي دليل أن له وجوداً في أرض الواقع؟ ولكن من تسلسل الأحداث وردود الأفعال وإصرار البعض علي تقديم صور شائهة تحصر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في نماذج قائمة في بعض الدول الإسلامية عليها بعض الملاحظات وأوجه النقض. يؤكد أن القضية كلها مصطنعة ومفتعلة وتتداخل فيها الحسابات السياسية ويغلب علي حبكها الإثارة بهدف التشويه وإلصاق تهم التطرف والغلو والعنف ببعض فصائل التيار الإسلامي التي اكتسحت الانتخابات البرلمانية مؤخراً. ويمكن التأكيد أنها تحاول بطرف خفي تنفير الناس من هذه الفضيلة الإسلامية العظيمة التي اختص بها المولي عز وجل الأمة الإسلامية. مفهوم مركزي الأمر والنهي يعد مفهوماً مركزياً في الفكر الإسلامي وحجر الزاوية في مفهوم الدولة الإسلامية في الماضي والحاضر. فهو من أعظم الواجبات وأكبر المهمات. كما يقول الدكتور محمد أبوليلة -أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر- موضحاً أن الأدلة علي وجوبه كثيرة في الكتاب والسنة والإجماع. حيث دلت النصوص علي أن التناصح والتوجيه إلي الخير والتواصي بالخير والصبر عليه. والتحذير مما يخالف الله وأحكام الشرع من الصفات اللازمة للمؤمنين. وسبب لخيرية الأمة وأن تركه يؤدي لوقوع اللعن والإبعاد ونزول الهلاك وانتفاء الإيمان عمن قعد عنه حتي بالقلب. يقول تعالي: "ولتكن منكم أمة يدعون إلي الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر" 104 آل عمران. وقوله سبحانه: "ادع إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة" 125 النحل. ويقول الرسول -صلي الله عليه وسلم-: "من رأي منكم منكراً فيلغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه. فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان". يؤكد أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- حرص علي بيان مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. مشيراً إلي أنه ينقسم إلي ثلاث مراتب. الأولي هي الانكار باليد مع القدرة. وذلك خاص بمن له ولاية من مسئول أو محتسب ممن يقدر علي ذلك. والمثال علي ذلك الإنسان مع أهله وأولاده. يأمرهم بالصلاة وسائر الواجبات. وينهاهم عما حرم الله. قال إن المرتبة الثانية تكون في حالة عجز المحتسب عن الإنكار باليد. إذ ينتقل إلي الإنكار باللسان فيعظهم ويذكرهم ويعاملهم بالأسلوب الحسن مع الرفق. ويستعمل الألفاظ الطيبة والكلمات المناسبة. حتي لو قوبل بالسوء فهو لا يقابل إلا بالتي هي أحسن. أوضح أن المرتبة الأخيرة للأمر والنهي هي الإنكار بالقلب. لافتاً إلي أنه لا رخصة لأحد في تركها أبداً. بل يجب ترك المنكر ورفضه وكرهه تماماً بصورة مستمرة. يضيف أن أحكام الشرع واضحة في ضرورة مفارقة أهل المعصية والابتعاد عنهم طالما أصروا علي المعصية. يقول تعالي: "وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتي يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم" 140 النساء. فلا يجوز مجالسة أصحاب المنكر حال مواقعته. حتي يتوقفوا عنه ويتوبوا إلي الله. وإلا كانوا مثلهم في الإثم لرضاهم بذلك. سبب الخيرية يري مجدي أحمد حسين -رئيس حزب العمل- أنها فريضة جوهرية أعتبرها الله سبحانه وتعالي دليلاً وقرينة وشرطاً أن تكون أمتنا هي خير أمة أخرجت للناس. بحيث ان التخلي عن هذه الفريضة يفقدنا صفة الخيرية ويفقدنا بالتالي عبوديتنا لله عز وجل. مؤكدا أن تدبر المعاني العميقة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يصل بنا إلي الجهاز العصبي الذي يحكم جسد المجتمع المسلم. وإنه نظام اجتماعي شامل يقوم علي نظام الشوري والعدل. قال إنه لا خلاف بين العلماء والمفسرين والفقهاء علي أن من المعاني الأساسية لفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. أن دائرة الأمر والنهي أوسع من دائرة الحلال والحرام. فإذا كان من الطبيعي ان يشمل المعروف الحلال والمنكر الحرام. والحلام بين والحرام بين. وبينهما أمور متشابهات يحسمها العلماء. أشار إلي أنها واجب علي كل مسلم ومسلمة وليس مجرد حق. وهذا ما يرفع مستواه إلي أعلي من مستوي الحقوق في المفهوم الديمقراطي الغربي. معتبراً أن جوهرها هو عموم الالتزام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لكل المواطنين. شدد علي أن العلماء والأئمة وأولي الأمر من أهل العقد والحل هم أولي الناس بهذه الفريضة. وبين أن هذا يستفاد من قوله تعالي: "ولتكن منكم" أي جماعة. وكما جاء في الآية الكريمة: "فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين". نبه إلي أن الخوف من سوء أداء هذا الواجب كممارسة الأمر والنهي بفظاظة. أو بدون علم. أو باستعلاء وغرور. تعد مخاوف حقيقية ويجب الحذر منها. مؤكداً أنه لا يجوز التذرع بها لنزع هذا الواجب من أي مسلم. فسوء الأداء يمكن تقويمه. ولا يؤدي إلي حظر أو تقييد هذه الفريضة بشكل تحكمي. حذر الدكتور زكي عثمان -أستاذ الدعوة الإسلامية بجامعة الأزهر- من فرض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر علي الناس بالقوة. مؤكداً أن القدوة الحسنة والدعوة بالحسني والحكمة هي روح الدين الإسلامي الحنيف. قال إن الشريعة الإسلامية عنيت بتحديد وسائل وأساليب الأمر والنهي. مصداقاً لقوله تعالي: "ادع إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن" 125 النحل. مبيناً أن الدعوة بالحكمة يجب ان تراعي ظروف المدعو وفهمه. وقبوله. أضاف أنه ينبغي الالتزام بالحكمة والعلم والحلم والرفق واللين والصبر والموعظة الحسنة والقوانين عند أداء فريضة الأمر والنهي. معتبراً ان المجادلة بالتي هي أحسن والترغيب والترهيب والوعد والوعيد والتذكير بحقوق الله هي أفضل الطرق التي تمكن من تحقيق هذه الفريضة. بين أن اللجوء إلي أساليب الإجبار لفرض الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر يتعارض مع صحيح الإسلام. وذكر أن وسائل الدعوة كثيرة لا تحصر منها العناية بتربية الأولاد ونشر العلم الشرعي والحوار العقلاني والإحسان إلي الناس بالقول والفعل. والكتابة والنصيحة المباشرة. وإلقاء الدروس والخطب في أيام الجمع والأعياد والمحافل العامة ومن فوق المنابر الإعلامية في الفضائيات وغيرها.