الإنسان مدني بالطبع" هذه الكلمة التي أطلقها ابن خلدون تصف حقيقة بشرية وهي أن البشر يحتاجون أن يعيشوا في مدن وفي تجمعات. ومع اجتماع البشر وتكاثرهم ونماؤهم تتعدد معاملاتهم وتعظم مشكلاتهم، وينشأ أحياناً الصراع بينهم بدلاً من التعاون في سبيل حفاظهم على ذواتهم أو حبهم لها ووسط هذا التعاون الضروري والصراع الدائم تتشابك المعاملات وتختلف المصالح وتتغير المواقف وتتبدل الظروف . وهذا من خصائص خاتم الأديان والشرائع لضمان الاستمرارية إلى يوم الدين وهو من أهم ما يميز الدين الإسلامي ويجعل فيه هذه المرونة والحياة الدائمة ( قلة الثوابت ). وفي السياسة نجد أن الثوابت أيضا قليله والثابت الرئيس لأي جماعة أو حزب هو تحقيق الهدف والمصلحة ومعلوم أن القرار يتغير بتغير المؤثرات والمعطيات وهذه صفة القرار السياسي وليس من النضج السياسي أو المصداقية حالة الجمود التي تصيب القرار السياسي بدعوى المصداقية فهي دعوى حق يراد به باطل لان المصداقية هي مصداقية الإيديولوجية الفكرية للحزب أو الجماعة أما القرارات فهي تتغير بتغير الظروف دائرةً مع تعظيم المصالح وتقليل المفاسد فالثبات في الأهداف والمرونة في الوسائل، الثبات في الأصول والمرونة في الفروع، الثبات في الكليات والمرونة في الجزئيات. ويجب التفرقة بين الثابت والمتغير حتى لا يحدث اللبس بتحويل الثابت للمتغير أو المتغير إلى الثابت وذلك هو ما ضاعت به الأمةبين من جعلوا الإسلام كله في الثابت وضيقوا ما جعله الله سبحانه واسعا. ومن الخطأ الفاحش الإتيان بمتغير وجعله ثابت ومحاكمة الناس عليه بل والولاء والبراء عليه وقد ظهر هذا الخطأ في الأحزاب الإسلامية وأتباعها أثناء ممارسة العمل السياسي ولكنه تجلى أكثر ما يكون في الانتخابات الرئاسية وتأييد المرشحين من منطلق عاطفي والتعصب الأعمى لما أراه حقاً . وبخصوص التراجع (التراجع عن الوعد) عن احد القرارات التي اتخذت في وقت معين وتحت ظروف معينه فانه من حسن السياسة أن يتغير القرار بتغير الظروف والملابسات وإلا تحولت القرارات إلى ( تابو ) واتسمت بالجمود الذي يؤدي إلى فوات مصالح كثيرة وليس هنا مجال لما يسمى التخلي عن الثوابت فان من الثوابت هو البحث الدائم والمستمر عن المصلحة العامة واتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب ( الحكمة ). وفي النهاية هو قرار أي اجتهاد في وقت اتخاذه ورؤية لصاحبه لا يحاسب إلا على استفراغ الجهد في اتخاذ القرار الصائب في وقت اتخاذه وان اخطأ فله أجر المجتهد . إذن لا مجال للمناقشات السفسطائية عن القيم المجردة من الصدق وعدم التراجع.وخصوصا إذا صدرت مثل هذه المقولات من أناس يتحولون في اليوم الواحد ويتلونون ولا يخجلون وليس ترشح البرادعي وعودته ثم محاولة ترشحه مرة أخرى وكذلك منصور حسن وآخرين عنا ببعيد أم انه بالنسبة للإسلاميين حرام وبالنسبة لغيرهم حلال . محمد جبر محمد نصار مؤسس جمعية عمال ضد الفساد عضو المكتب السياسي لحزب الإصلاح