يتجاوز مفهوم الفوز النتيجة الرقمية إلى كونه ظاهرة إنسانية غنية بالدلالات التي تتشابك معها مفاهيم كالعدالة والسعادة وفي بعض الأحيان الصراع. ويرى الفلاسفة أن الفوز يمثل اللحظة التي يتم فيها إزالة الشك حول الفعل في سياق المنافسة. كما أنه إثبات موضوعي على المجهود المبذول والتضحيات المقدمة، والمعاناة التي تحملها الفرد. فالفوز يبرر المسار الذي اختاره الفرد من أجل الفوز. كما أنه يمكن ربطه وفقاً للفيلسوف "نيتشه" ب"إرادة القوة"، حيث يكون الفوز تأكيداً وتجسيداً لتلك الإرادة الفاعلة. ويفقد مفهوم الفوز معناه في ظل غياب المنافس الآخر (الخاسر). فالخاسر لا يُنظر إليه باعتباره فشلاً، بل باعتباره ضرورة وجودية في منظومة وفكرة الفوز. فهذه المنظومة هي التي تُعرف المنتصر وتجعل فوزه ممكناً وذا قيمة، باعتباره تلك اللحظة التي يتم فيها تجاوز الطرف الآخر. كما تجدر الإشارة إلى أن الفوز كتنظيم للقوة يعتبر في جوهره صراعاً منظماً حول موارد محدودة (جائزة مالية أو منصب مهني أو سياسي). من جهة أخرى يؤكد بعض الفلاسفة أن الفوز قد لا يتعلق بالضرورة بالانتصار على الطرف الآخر، بل بالوصول إلى فهم جديد لموقف ما أو للانتصار على الجهل والمجهول. ومما لا شك فيه أن الفوز لا بد وأن يرتبط بالأخلاق حتى يكون الفوز نزيهاً وعادلاً. والفوز الذي يتحقق بخرق القواعد والقوانين يفقد شرعيته الأخلاقية ومن قيمته الوجودية. لذا قد يكون الخاسر الذي حافظ على مبادئه الأخلاقية أكثر "انتصاراً" من المنتصر الذي خان تلك المبادئ. فالفوز حدث يمنح معنى للماضي، أي للجهد الحقيقي المبذول ويحدد توقعات المستقبل. ويمكن وفق هذه الرؤية التطبيق على الفائز والخاسر في الانتخابات البرلمانية الحالية. ولكن كيف إيجاد علاقة بين المال السياسي والفوز في معادلة الفوز؟ وهل يجب أن تكون تلك العلاقة طردية أم عكسية؟ يمكن تعريف المال السياسي بأنه جميع الأموال والموارد المادية المشروعة وغير المشروعة التي يتم جمعها وإنفاقها للتأثير على العملية السياسية والسلطة في الدولة. ويعتبر المال عنصراً ضرورياً في أية انتخابات سياسية وغير سياسية بشرط أن يكون مشروعاً. ويتضمن هذا التعريف كل أنشطة التمويل السياسي للأحزاب والمرشحين والمجموعات المؤثرة. ويعتبر التمويل السياسي هو الجانب المشروع والمنظم للمال السياسي، ويشمل تمويل الأحزاب من حيث الأموال التي تتلقاها لإدارة عملياتها اليومية مثل استئجار العقار ودفع رواتب الموظفين والتواصل مع الجمهور وعقد الندوات وإجراء البحوث. بالإضافة إلى الأموال التي تنفق على الدعاية الانتخابية والإعلانات وشراء وقت البث الإعلامي لدعم المرشحين في الانتخابات. وتعتبر التبرعات الفردية واشتراكات الأعضاء والتمويل العام الحكومي وريع الاستثمارات الحزبية من عناصر التمويل السياسي المشروعة. أما بالنسبة للمال السياسي غير المشروع فيشمل الرشوة السياسية وهي مبالغ يتم دفعها لناخبين أو مسؤولين لتوجيه تصويتهم أو لتغيير قراراتهم. بالإضافة إلى شراء الأصوات بتقديم أموال مباشرة للناخبين مقابل التصويت. كما يشمل المال السياسي غير المشروع تلقي أموال من كيانات أو دول أجنبية دون الإفصاح عنها بهدف التأثير على السيادة الوطنية. واستغلال النفوذ للحصول على تبرعات ضخمة من جماعات المصالح أو الشركات الداعمة لمنافسين سياسيين بهدف الحصول على تشريعات أو عقود حكومية لاحقاً. وبتطبيق مفهومي الفوز والمال السياسي على ما شهدته الانتخابات النيابية الحالية في مرحلتها الأولى نلحظ غياب المنافسة العادلة واستخدام مال سياسي — غير مشروع — بشكل مفرط في العديد من الدوائر الانتخابية. ومثل تلك الأمور لا تهدد فقط الممارسة الديمقراطية بل تهدد استقرار وتماسك المجتمع بشكل عام وتخلق الفرقة والصراع وتُعلي من تمثيل مصالح الأغنياء على حساب مصالح المواطنين العاديين. وعلى الرغم من أن مصر لديها من القوانين ما يحول دون الاستخدام غير المشروع للمال في العمليات السياسية، إلا أن الأمر يتطلب رقابة داخلية شديدة ومستدامة. كما أن القول بأن مرشحاً ما فاز على الآخر بدون وجود "هذا الآخر"، أي المنافس، وبدون بذل أي مجهود أو عناء يفرغ كلمة الفوز من مضمونها اللغوي والفلسفي والأخلاقي، لأنه من غير المعقول أن "أفوز على نفسي"!