في مساء خريفي هادئ بشبرا الخيمة، لم يكن أحد من المارة يتوقع أن يشهد مشهدًا يخلّد في الذاكرة للأبد. أمام أحد المطاعم في شارع 15 مايو توقفت الحياة لثوانٍ حين سقطت سيدة في منتصف الأربعينيات غارقة في دمائها، بعد أن سدد لها رجل طعنات متتالية وسط ذهول الجميع. لم تكن الجريمة مجرد حادث عابر، بل كانت فصلًا أخيرًا في قصة إنسانية مؤلمة جمعت بين رجل وسيدة ربط بينهما الحب والزواج يومًا ما، قبل أن يتحول هذا الرباط إلى صراع أنهكهما وانتهى بالمأساة. كانت البداية حين تعرّف الأستاذ الجامعي، صاحب الخمسين عامًا، على شابة جميلة وذكية، أحبّها بشغف وقرر أن يفتح معها صفحة جديدة في حياته بعد زواج فاشل سابق، اجتمعا على الأمل، وتوّج حبّهما بزواج رسمي وطفل طال انتظاره، جاء بعد رحلة طويلة من العلاج والأمل. لكن، كما يحدث أحيانًا، لم تُكتب لتلك القصة النهاية السعيدة، تسلّل الخلاف إلى حياتهما، تارة بسبب المال وأخرى بسبب الغيرة والأنانية، حتى تراكمت القضايا والمشاحنات، فافترقا بعدما أنهكهما التعب. ومع مرور الأيام، لم تهدأ النفوس، ولم يُطوَ الماضي كما ظنّا، وظلت الخلافات تشتعل في صمت، حتى جاء ذلك اليوم المشؤوم حين التقى الزوجان السابقان صدفة أمام العمارة، فكانت الكلمات القاسية أقوى من العقل، والغضب أسرع من الرحمة، ليتحوّل اللقاء إلى جريمة أودت بحياتها وأنهت مستقبله. - من الإعجاب إلى الزواج.. قصة ولدت في مدرج الجامعة منذ أكثر من عشر سنوات، كان "أحمد"، الأستاذ الجامعي المرموق في منتصف الأربعينات آنذاك، يعيش حياة هادئة مستقرة في جامعة السويس، ولم يكن يتخيل أن زيارة عابرة لإحدى الكليات في سوهاج ستغيّر مسار حياته إلى الأبد. هناك تعرّف على شابة جميلة وذكية، تمتلك حضورًا لافتًا، جاءت لمقابلة شقيقتها التي كانت طالبة في الكلية، أعجب بها على الفور، كما يقول المقربون منه، وبدأ يقترب بخطوات محسوبة، لم تكن علاقة عابرة، بل انجذب إليها بعقله قبل قلبه، ووجد فيها ما افتقده لسنوات طويلة. لم يمض وقت طويل حتى أعلنا زواجهما رسميًا وسط سعادة الأسرتين، وبعد محاولات علاجية شاقة استمرت لسنوات، رُزقا بطفل طال انتظاره، أسمياه "إياد"، كان ثمرة حبّهما وأملهما في بداية جديدة. - عندما تسلّل الخلاف إلى البيت لكن ما بدا بداية جميلة لم يدم طويلاً، فمع مرور السنوات بدأت الخلافات تتسلل شيئًا فشيئًا إلى جدران البيت. كان "أحمد" يرى في زوجته شخصية قوية تفرض رأيها، وكانت هي ترى فيه رجلًا مترددًا عنيدًا لا يرضى بالمشاركة. تصاعدت المشكلات بينهما، وبدأت تتخذ مسارًا قانونيًا بعد أن وصلت الخلافات إلى الطلاق للمرة الثالثة. تعددت القضايا بينهما: نفقات، تمكين من شقة، تبديد منقولات، ضرب، سبّ، وتحريض، وفي النهاية حصلت الزوجة على حكم بتمكينها من شقة في الشيخ زايد، لتتحول إلى ساحة نزاع بينهما. مع الوقت، باع الرجل بعض ممتلكاته، خسر كثيرًا من أمواله، وتدهورت حالته النفسية. يقول المقربون منه إنه تغيّر، صار صامتًا منطويًا، يقضي أيامه بين أروقة المحاكم وذكريات الماضي. - اليوم المشؤوم في مساء يوم عادي بدا وكأنه نسخة مكررة من أيامه الثقيلة، عاد الأستاذ الجامعي إلى منزله بعد الخامسة والنصف، يحمل في قلبه مزيجًا من الحزن والغضب. وفي تلك اللحظة التي جمعته بالصدفة بطليقته أسفل العمارة، تبدلت كل ملامح الهدوء إلى عاصفة من الانفعال. لم يكن اللقاء مرتبًا ولا الكلام محسوبًا، كانت الكلمات أسرع من التفكير، والدماء أسرع من الندم. خلال ثوانٍ، اشتعلت مشادة كلامية بينهما أمام الناس. ثم انسحب فجأة، دخل إلى منزله القريب، وعاد حاملاً سكينًا. لحظة جنون واحدة كانت كفيلة بأن تُنهي حياة امرأة، وتُحطّم حياة رجل، وتُيتم طفلاً. طعنة تلو الأخرى، حتى سقطت "نادية" بلا حراك، بينما هرع الأهالي في محاولة لإنقاذها، لكنها فارقت الحياة قبل وصولها إلى المستشفى. - دموع الشارع وحيرة الطفل لم يكن المشهد سهلًا على أحد، وقف بعض المارة يبكون رغم أنهم لا يعرفونها، وآخرون أمسكوا بالقاتل حتى جاءت الشرطة. في قسم شرطة شبرا الخيمة، جلس الأستاذ الجامعي منهارًا، عاجزًا عن تفسير ما فعله. وفي بيت صغير بعيد عن الضوضاء، جلس طفل السبع سنوات ينتظر أمه التي وعدته بزيارة نهاية الأسبوع... لكنها لن تعود أبدًا. البداية كانت عندما تلقى اللواء محمد السيد، مدير المباحث الجنائية بالقليوبية، إخطارًا من المقدم مصطفى دياب، رئيس مباحث قسم ثان شبرا الخيمة، يفيد بقيام أحد الأشخاص بالاعتداء على سيدة طعنًا بالسكين، وسقوطها غارقة في دمائها قبل أن يفرّ الجاني من موقع الحادث. على الفور انتقلت قوات الأمن إلى مكان البلاغ، حيث تبيّن أن المجني عليها تُدعى نادية س. م.، 44 عامًا، تعمل سمسارة، ومقيمة بمنطقة الكابلات، وقد لفظت أنفاسها الأخيرة متأثرة بإصابتها بطعنات متفرقة في أنحاء الجسد وطعنة نافذة بالرقبة، وتم نقل الجثة إلى مستشفى ناصر العام تحت تصرف النيابة العامة. تكثفت التحريات الأمنية، وتمكنت فرق البحث الجنائي من تحديد هوية الجاني وضبطه في وقت قياسي، وتبيّن أنه أستاذ جامعي في منتصف الخمسينات من عمره، كان على خلافات سابقة مع المجني عليها بعد انفصالهما ووجود قضايا متبادلة بين الطرفين. وشهدت منطقة الحادث حالة من الصدمة والحزن بين الأهالي الذين أكدوا أن الجريمة وقعت بسرعة مذهلة، حيث انهال المتهم على طليقته بالطعن دون مقدمات، بينما حاول المارة إنقاذها دون جدوى. تم تحرير محضر بالواقعة، وتولت النيابة العامة التحقيق، وأمرت بحبس المتهم على ذمة القضية، فيما تستكمل الأجهزة الأمنية بالقليوبية تحقيقاتها لكشف ملابسات الجريمة كاملة، التي هزّت الرأي العام وأعادت الجدل حول تكرار حوادث العنف الأسري. اقرأ أيضًا: "كانت لحظة غضب".. اعترافات صادمة لقاتل طليقته أمام المارة بشبرا الخيمة "خلص عليها قدام الناس".. تفاصيل مقتل سيدة على يد طليقها بشبرا الخيمة