دولة في الشرق وأخرى في الغرب ورئيس لكل منهما، أحدهما قائد لميليشيا متهمة بجرائم حرب وتهريب بشر متحكمة في الثروات الطبيعية التي حباها الله لشعبه ومستندة في استمرارها على توازنات ودعم إقليمي مفتوح لدول ذات أهداف تتعلق بالهيمنة وتعميق دورها الإقليمي، وأخرى قائد للجيش الوطني يحاول الحفاظ على ما تبقى من دولته ومن جيشه. لا يختلف الوضع الحالي بالسودان عقب استيلاء ميليشيا الدعم السريع على مدينة الفاشر هذا الأسبوع كثيرًا عن الوضع الليبي السياسي والعسكري المتجمد منذ خمسة أعوام، حيث انقسم السودان بشكل فعلي إلى دولة في الشرق تضم المدن الكبرى التاريخية مثل الخرطوم وبورتسودان وأم درمان، ودولة أخرى في الغرب تضم دارفور بالكامل ومعظم إقليم كردفان وتتحكم في معظم إنتاج السودان من الذهب وما تبقّى من النفط عقب انفصال دولة جنوب السودان عام 2011. سقوط مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، والفرقة السادسة للجيش السوداني في يد ميليشيا الدعم السريع عقب حصار دام أكثر من 500 يوم—وكان يبلغ عدد سكانها مليون ونصف المليون نسمة—كانت النهاية لأي تواجد للدولة السودانية في دارفور والمكون من خمس ولايات. هذا الحصار الدموي الذي منع حتى منظمات الإغاثة الطبية من دخول المدينة أو حتى مخيمات النازحين نيفاشا وزمزم وما تلاه من اقتحام للمدينة، وشمل العديد من جرائم الإبادة الممنهجة والإعدامات الميدانية للمدنيين ودفنهم في المقابر الجماعية وفقًا لما وثقه أفراد تلك الميليشيا الهمجية التي يقودها تاجر إبل سابق وتسبغ عليه بعض الدول الأموال والأسلحة والمأوى الأمني؛ فلم تسلم حتى المستشفيات ومرضاها والمساجد والمصلون فيها من تلك المجازر العشوائية لتلك الميليشيات. سيطرة الميليشيا على غرب السودان بثرواته من المعادن والبترول، وتقاطع هذا الإقليم حدوديًا مع دول جنوب السودان وأفريقيا الوسطى وليبيا، وكذلك دولة تشاد التي وفرت قاعدة جوية لتلقي تلك الميليشيا الدعم العسكري القادم إليها من إحدى الدول الإقليمية من أسلحة متقدمة ومرتزقة أفارقة ومن دول لاتينية، وما سبقه من إعلان قائدها في أبريل الماضي عن تشكيل حكومة موازية بعد مشاورات استضافتها كينيا مع شركائه، يدفع في اتجاه واحد وهو نهاية ما تبقّى من الدولة السودانية الموحدة وتجميد الوضع الراهن وصعوبة الحسم العسكري لتلك الحرب من قبل أطرافها تمامًا كما حدث على حدودنا الغربية. وإن كانت الطموحات الإثيوبية في استغلال حالة التفكك السوداني لإيجاد منفذ لها على البحر الأحمر بالتحالف مع تلك الميليشيا قد تؤدي إلى تغيير هذا السيناريو ودخول أطراف إقليمية أخرى للصراع بشكل مباشر.