أسوأ أنواع الحروب هى تلك التى تنشب بين أبناء الوطن والشعب الواحد، فيصعب عليك التفرقة بين الصديق والعدو، فصديق الأمس الذى أكل وشرب معك فى إناء واحد، وتبادلت معه اللحظات الطيبة والذكريات، تلقاه اليوم أحرص الناس على قتلك، يتحين الفرصة ليقتنص روحك، ويسلبك كل ما تملك. هذا ما يعيشه السودانيون منذ 15 أبريل من العام الماضى، حرب اندلعت فى قلب الوطن، لم يأت العدو من الخارج، لم يهاجم الحدود، بل انطلق من فناء البيت، وأشعل النار فى غرفه ومخازنه، فكان الخطر الذى واجهه السودانيون - بحسب وصفهم - هو: «أكبر ما واجهوه فى تاريخهم»، خاصة أن سيناريوهات القتال تبدو مفتوحة على كل الاحتمالات، والخسائر سودانية دائما، إن لم تكن من أرواح الآلاف من المتقاتلين من الجيش السودانى أو من «الدعم السريع»، فمن المدنيين الأبرياء الذين طاردهم الموت وهم آمنون فى بيوتهم وقراهم البسيطة، وتعرضت ممتلكاتهم للسلب والنهب على نحو غير مسبوق، وباتت آلاف النساء والفتيات ضحايا لعمليات اغتصاب واتجار بالبشر غير مسبوقة فى المجتمع السودانى، رغم كل ما عاناه على مدى عقود من حروب وصراعات واشتباكات مسلحة، وهو ما يجعل الحرب الراهنة صفحة سوداء فى ذاكرة السودانيين يتمنون لو أن يوم 15 أبريل 2023 قد مُحى من التاريخ، لكن الحقيقة المؤلمة هى أنهم بات لزاماً عليهم دائما أن يتذكروا دروسه القاسية، إن أرادوا صناعة مستقبل مختلف. وحتى اليوم.. لا يبدو السلاح قادرا على حسم الصراع، ولا السياسة قادرة على تقديم مسار يقود إلى ضوء فى نهاية النفق المظلم، فكل الخيارات صعبة، والزمن ليس فى مصلحة أحد، وتعقيدات المشهد فى السودان وتقلباته تجعل من يحاول التعامل مع ذلك الواقع أشبه بمن يسعى إلى فك خيوط متشابكة لكرة ضخمة من الصوف الخشن. زيارتى إلى مدينة بورتسودان ترافقت مع اقتراب مضى 500 يوم من الحرب الراهنة، والتى يُخشى أن تتحول إلىa وضع دائم، وحرب منسية مع انشغال الإقليم والعالم بأزمات لا تقل سخونة، سواء فى أوكرانيا أو فى غزة، أو مع تصاعد التوتر فى البحر الأحمر، لكن الأخطر أنه رغم انصراف الأضواء عن الأزمة السودانية لصالح أزمات أخرى قد تكون أكثر سخونة، فإن ذلك لم يكن دافعا لأن تشهد الأوضاع فى السودان هدوءا نسبيا، بل على العكس، كان ذلك أحد أسباب تصاعد حدة الصراع، الذى اتخذ شكل حروب كر وفر بين القوات المسلحة السودانية وبين «الدعم السريع» الذى يقول قادة مجلس السيادة وأعضاء الحكومة السودانية إن آلافا من المرتزقة والمقاتلين الأجانب يقاتلون فى صفوفه فى تلك الحرب، وهو ما فاقم من التحديات المرافقة، وبخاصة الهجوم على القرى السودانية وعمليات السلب والنهب للممتلكات العامة والخاصة، الأمر الذى أسهم فى تصاعد معاناة النزوح، وتجاوز عدد النازحين - وفق التقديرات الرسمية- 12 مليون نازح. أكبر من مجرد صراع داخلى الأخطر - بحسب ما استمعت إليه خلال العديد من المقابلات فى بورتسودان مع مسئولين ووزراء سودانيين بارزين- أن تطور المعارك فى الأشهر الماضية لم يكن عشوائيا، بل يكشف عن وجود خطط أكبر من مجرد تصاعد صراع داخلى، وقد استمعتُ فى هذا الصدد إلى تحليلات عدة من جانب قادة بارزين فى مجلس السيادة السودانى، ووزراء فى الحكومة بعضهم له قوات منخرطة فى القوة المشتركة التى تقاتل إلى جانب الجيش السودانى. هذه المؤشرات الدالة على وجود مخطط أكبر بكثير من مجرد استمرار القتال وعمليات السلب والنهب التى تدفع المواطنين السودانيين إلى الفرار من منازلهم وقراهم إلى أقرب مناطق آمنة يسيطر عليها الجيش السودانى تتجسد فى مجموعة من النقاط منها: تركيز عمليات القتال منذ البداية على العاصمة الخرطوم ومنطقة أم درمان الحيوية، ليس فقط بما تمثله من رمزية سياسية كعاصمة للبلاد، بل كان وراء الأمر هدف اقتصادى أيضا عبر عمليات نهب للبنوك والمؤسسات التجارية الكبرى، الأمر الذى يحرم السلطة المركزية من ثروات وموارد هى أحوج ما تكون إليها. استهداف عمليات القصف والنهب لمخازن الغذاء والأدوية والحبوب وتقاوى الزراعة وسرقة الآلات الزراعية، والاستيلاء على ولاية الجزيرة (عاصمتها مدينة ود مدنى) والتى تتوسط السودان تقريبا، وتعد أكبر مساحة من الزراعات المروية فى البلاد، فضلا عن كونها ثانى ولاية من حيث الكثافة السكانية بعد الخرطوم، إذ يعيش فيها نحو 5 ملايين نسمة، فر معظمهم جراء القتال تاركين أراضيهم ومزارعهم للخراب، رغم أن تلك المنطقة تعد سلة غذاء السودان كونها تضم أكبر مشروع زراعى فى أفريقيا، وهو مشروع الجزيرة، الذى يسهم بنحو 65 فى المئة من إنتاج البلاد من القطن، ونسبة كبيرة من إنتاج القمح والذرة والفول السودانى والقمح والخضراوات والأعلاف ونباتات إنتاج الزيوت، بالإضافة إلى الإنتاج الحيوانى، وهو ما دفع الفريق إبراهيم جابر عضو مجلس السيادة إلى الإشارة فى حديث خاص ل«الأخبار» إلى القول بأن السودان يواجه «تجويعا» وليس «مجاعة». تطوير عمليات الهجوم على مناطق إقليم دارفور وتكثيف الضغط على مدنه الأساسية الواحدة تلو الأخرى، إذ استفاد «الدعم السريع» من الحاضنة الشعبية الموجودة فى تلك المناطق، ووجود دعم قبلى لقادة «الدعم» فى مواجهة قوات الجيش والحركات المسلحة المتحالفة معها، ولم يبق سوى مدينة «الفاشر» «عاصمة إقليم شمال دارفور» فى قبضة الحكومة السودانية، وهى حاليا محاصرة بالفعل، وتقوم قوات مشتركة من الجيش السودانى والحركات المسلحة والعديد من المواطنين العاديين الذين يطلق عليهم فى السودان «المستنفرين» بتولى مهام الدفاع عن المدينة، التى إن سقطت فسيكون للأمر تبعات استراتيجية خطيرة، وهو ما دفعنى لسؤال ثلاثة من كبار المسئولين السودانيين، وهم: «الفريق أول ركن شمس الدين كباشى عضو مجلس السيادة نائب القائد العام للقوات المسلحة السودانية، ومنى أركو مناوى حاكم دارفور، وجبريل إبراهيم وزير المالية السودانى وقائد حركة العدل والمساواة المنضوية فى القوة المشتركة للدفاع عن الفاشر»، عن طبيعة الموقف هناك، وبدت الإجابات متناسقة، فيما يتعلق بتأكيد قوة التحصينات العسكرية المدافعة عن المدينة، ووصل حسم المسئولين الثلاثة إلى القول بعبارة بدت واحدة تؤكد أن «الفاشر لن تسقط»، لكن بعضهم لم ينكر أن هناك استهدافا متعمدا لإسقاط «الفاشر»، وهو ما سيكون بداية لمحاولة عزل دارفور عن الجسد السودانى وإنشاء كيان لا يخضع لسلطة الدولة السودانية. وذهب حاكم دارفور ردا على سؤالى فى هذا الصدد إلى القول إن إسقاط «الفاشر» كان مطلوبا قبل انطلاق الجولة الأخيرة من المفاوضات فى مدينة جنيف السويسرية، والتى رفضت الحكومة السودانية المشاركة فيها قبل تنفيذ بنود اتفاق جدة الذى يقضى - ضمن بنود عديدة- بالتمييز فى جميع الأوقات بين المدنيين والمقاتلين وبين الأعيان المدنية والأهداف العسكرية، والالتزام بحماية الاحتياجات والضروريات التى لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين على قيد الحياة، وحظر النهب والسلب والإتلاف، وفتح ممرات آمنة لدخول المساعدات الإنسانية وغيرها من النقاط التى لم تشهد أى تقدم منذ توقيع الاتفاق فى منتصف مايو من العام الماضى. ولم يستبعد حاكم دارفور وجود مخطط أكبر لعزل الإقليم عن السيادة السودانية. تحول الصراع إلى نوع من تصفية الحسابات القبلية والعرقية، وهى مسألة بالغة الحساسية فى دولة معروفة بتنوعها الإثنى مثل السودان، وليس أدل على ذلك من الجرائم التى ارتكبت فى منطقة الجنينة «عاصمة ولاية غرب دارفور»، والتى تقطنها قبيلة «المساليت» ذات الجذور الأفريقية، وقد شهدت تلك الاعتداءات صورا مروعة من القتل والاغتصاب، وهى الجرائم التى وثقتها السلطات القضائية السودانية، كما دفعت المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان فى 27 يوليو من العام الماضى إلى فتح تحقيق جديد فى جرائم حرب فى إقليم دارفور السودانى، داعيا إلى عدم السماح ل«التاريخ بأن يُعيد نفسه»، قاصدا بذلك الحرب الأهلية التى وقعت فى إقليم دارفور فى عام 2003 وأودت بحياة نحو 300 ألف شخص. اتساع نطاق الدور الذى يلعبه المرتزقة والمقاتلون الأجانب فى الصراع الدائر حاليا فى السودان، فبحسب مسئولين عسكريين فى مجلس السيادة، فهناك آلاف القتلى ممن سقطوا فى المعارك، وبخاصة فى دارفور جاءوا من خارج السودان، والعديد من هؤلاء لم يأت لقضية يتبناها، بل بحثا عن مغنم أو إطلاق يده فى عمليات النهب الممنهجة التى جرت للمؤسسات وبيوت المواطنين السودانيين، بل إننى استمعت إلى تحليل لافت من جانب وزير الثقافة والإعلام السودانى الدكتور جراهام عبد القادر، الذى يعتقد أن ما يجرى هو جزء من مخطط أكبر لمنح العديد من القبائل القادمة من منطقة الصحراء الأفريقية والممتدة حتى الغرب الأفريقى موطنا للإقامة والبقاء الدائم على أرض السودان، ويرى الوزير السودانى أن خطورة الصراع مع تلك العناصر أنها «لا تفرق بين الحق والقوة، وتعتقد أن ما تصل إليه بالقوة هو حق لها»، معتبرا أن الصراع أكبر من كونه صراعا مسلحا داخليا فى السودان. لماذا تأخر الحسم العسكرى؟ والحقيقة أننى جئت إلى بورتسودان محملا بعشرات الأسئلة، ليس فقط كصحفى ومهتم بالشأن السودانى، بل كمواطن مصرى فى المقام الأول يزعجه ويؤلمه ما يشهده العمق الجنوبى لبلاده، ويخشى من أية أزمات يشهدها ذلك العمق الاستراتيجى الحيوى، لذلك بادرت بسؤال العديد من المسئولين السودانيين الذين التقيتهم فى العاصمة السودانية المؤقتة، بسؤال مباشر: لماذا تأخر الحسم العسكرى لصالح الجيش السودانى.. وهل هناك أمل فى تغير الأوضاع على الأرض؟ وتعددت الإجابات بالفعل، لكننى يمكن أن أوجز أهم ما انتهت إليه إجابات المسئولين السودانيين، وفى مقدمتهم الفريق أول عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة السودانى خلال اللقاء معه بمكتبه فى بورتسودان، فى عدد من الأسباب التى حالت دون الحسم العسكرى السريع، كما كانت تشير كل التوقعات فى الأيام الأولى من هذا الصراع الدامى، ولا أخفى أننى تفاجأت أحيانا ببعض تلك الأسباب، فلم تكن المعلومات المتاحة لى قبل تلك الزيارة بذلك الوضوح. أحد العوامل التى أرجع المسئولون السودانيون إليها تأخر الحسم العسكرى، هو أن هجوم «الدعم السريع» لم يأت من الخارج، بل من داخل المدن السودانية الكبرى، وبخاصة من قلب العاصمة الخرطوم، بل ومن قلب مواقعها الاستراتيجية مثل قصر الرئاسة والحكومة ومقار الإذاعة والتلفزيون والمؤسسات الحيوية الأخرى التى كانت تلك القوات مكلفة بتأمينها على مدى سنوات قبل الانفجار فى أبريل من العام الماضى. لم يخف المسئولون السودانيون أيضا اعترافا، أراه واجبا، وإن جاء متأخرا، بأن تقديراتهم بشأن اندلاع حرب شاملة فى البلاد لم تكن دقيقة، وأن كل التقديرات التى سادت وقتها كانت تشير إلى إمكانية قيام قوات الدعم بمحاولة انقلاب يمكن مواجهتها والسيطرة عليها، بينما تم النظر إلى فكرة شن حرب شاملة على أنها «مبالغة»، لكن ما حدث - وفق تصريحات المسئولين السودانيين التى توافقت بين أكثر من مسئول - منح «الدعم السريع» القدرة على المباغتة، وأن تلك القوات كانت مستعدة ولديها مخطط واضح لإسقاط الدولة السودانية فى الأيام الأولى من الحرب، وأن عدم تحقيق ذلك الهدف دفعها إلى تنفيذ الخطة «ب» التى تقضى بفتح السجون وإطلاق حالة من الفوضى والتخريب الممنهج، فبحسب إحصاء رسمى أبلغنا به النائب العام السودانى الفاتح طيفور فى مقابلة معه، بلغ عدد من تم تهريبهم من 36 سجنا فى عموم السودان ما يقرب من 20 ألف سجين، بعضهم مدان فى جرائم جنائية بالغة الخطورة كالقتل والإرهاب، والعديد منهم محكوم عليه بالإعدام. كما يُرجع المسئولون السودانيون الذين التقيتهم، أسباب تأخر الحسم العسكرى كذلك إلى تمسك «الدعم السريع» بالتحصن فى المدن، وهو ما يحول دون استخدام ما يسمى ب«القوة المميتة»، التى يمكن للجيوش النظامية استخدامها فى مواجهة جيوش مناظرة، لكن تلك القوة المميتة، وبخاصة استخدام سلاح الطيران ذى الأهمية الاستراتيجية فى الحروب التقليدية، تصبح صعبة الاستخدام عندما يتعلق الأمر بحروب المدن، والقتال وسط تجمعات مدنية، الأمر الذى يغل يد القوات المسلحة، بحسب إجابة الفريق إبراهيم جابر عن سؤالى له فى هذا الصدد، ويجعل حماية المدنيين أولوية مقدمة بالنسبة للقوات المسلحة على التقدم على الأرض، لكنه يعود ليشير إلى أن الفترة الماضية شهدت «نجاحات» للقوات الخاصة فى مواجهات داخل المدن مع «الدعم السريع»، ولعل ذلك يفسر إلى حد كبير محاولة «الدعم السريع» السيطرة على المطارات والقواعد الجوية فى الساعات الأولى من اندلاع الحرب لحرمان الجيش السودانى من أحد أهم أسلحته. الفريق أول ركن شمس الدين كباشى، كان أكثر وضوحا فى إجابته عن سؤالى، خلال استضافته لنا فى بيته ببورتسودان، عندما قال إن المواطن السودانى بات «ينتظر إنجازا على الأرض ولا يريد أن يسمع مزيدا من الكلام»، مشددا على أن «الجيش ما زال يمسك بزمام الأمور»، كما تعهد بشكل واضح بأن الفترة المقبلة «ستشهد متغيرات على الأرض لصالح الدولة والمواطن»، لكنه بطبيعة الحال رفض الإفصاح عن مجمل تلك المتغيرات، وهذا أمر مفهوم فى الشئون العسكرية، والفريق أول كباشى شخص كتوم بطبعه، لكنه كان قادرا على ربط ما هو ميدانى بما هو سياسى، عندما أشار إلى أن المتغيرات على الأرض سيكون لها تأثيرها كذلك على الجهود الدولية الجارية حاليا لوقف إطلاق النار فى السودان، وكان الحديث فى زحام الجدل حول عدم مشاركة الحكومة السودانية بوفد فى محادثات جنيف بدعوة ورعاية أمريكية، وبدا كباشى مدافعا بقوة عن الموقف السودانى برفض المشاركة فى المفاوضات، مشددا على أنه «إذا لم تتحقق مطالب الشعب فسنستمر فى الحرب». ومن بين الحقائق التى اتضحت من اللقاءات، أن القدرات التسليحية التى كان يتمتع بها «الدعم السريع» حديثة، وربما تتفوق على ما تمتلكه القوات المسلحة من عتاد، وهو ما اعترف به رئيس مجلس السيادة السودانى خلال لقائنا معه، الأمر الذى مكن «الدعم السريع» من سرعة التحرك، والاستفادة من حالة الصدمة والارتباك التى تسبب فيها الهجوم المباغت فى تمكين وتحصين وجوده بالعديد من المناطق الحيوية، لدرجة أن أحد التقديرات - غير الرسمية - التى استمعت إليها كان يشير إلى تدمير ما يقرب من 4 آلاف سيارة نقل خفيفة ل «الدعم السريع»، لكنها استعاضت عنها بالاستيلاء على الآلاف من سيارات الدفع الرباعى، وأعود هنا إلى إحصاءات النائب العام السودانى الذى يقدر ما أمكن حصره من سرقات للسيارات بأكثر من 39 ألف سيارة، وباعتراف النيابة العامة ذاتها فإن أعدادا كبيرة من المواطنين، وبخاصة ممن نزحوا خارج البلاد لم يبلغوا عن سرقة سياراتهم وممتلكاتهم بعد، ما يجعل تلك الحصيلة مرشحة دائما للزيادة وبمعدلات كبيرة! عقبات أمام الحلول السياسية وفى المقابل تبدو الطرق أمام الحلول السياسية - حتى الآن على الأقل- مليئة بالعقبات التى تحول دون التوصل إلى حلول حاسمة، فرغم تعدد المبادرات والأفكار المطروحة سواء فى جدة أو من دول جوار السودان، أو محاولات الولاياتالمتحدة لإعادة ملف الأزمة السودانية إلى الواجهة، فإن التعقيدات الميدانية تبدو - حتى اللحظة- حجر عثرة أمام قبول كل طرف بحل سياسى، فالحكومة السودانية حسمت أمرها وتمسكت بتنفيذ اتفاق جدة، ورفض وجود أى دور ل«الدعم السريع» فى المشهد بعد انتهاء الحرب، بينما فى الجانب الآخر تعتقد قيادة «الدعم السريع» أنها فى موقف ميدانى يمكنها من الحصول على مكتسبات كبيرة وأن الخروج من المدن يفقدها ما حققته من إنجازات ميدانية على مدى 500 يوم من القتال، وهو ما يؤكد مدى صعوبة وتعقيد الموقف فى السودان، فكما أشرت من قبل فإن الصراع ليس صراعا تقليديا، بل يقاتل فيه الأخ أخاه حرفيا، وقد يقف أبناء الأسرة الواحدة والعائلة والقبيلة على طرفى المواجهة، وهو ما يضاعف من قسوة المأساة وصعوبة الحلول، لكن المأمول أن تثمر الجهود الإقليمية المخلصة، وبخاصة التى تقودها مصر بالتنسيق مع العديد من دول جوار السودان والقوى الدولية الفاعلة فى وقف نزيف الدم السودانى.